حضرموت مهد القوافل التجارية منذ القدممتابعات بلا ريش>«الأيام» عبدالقادر باراس:حصن الغراب (قنا) شاهد على مر الزمن..يحكي قصة مدينة وتاريخ ميناء لمملكة حضرموت القديمة مدفونة تحت الرمال. الصورة لصهريج لحفظ المياه في قمة الحصن قبل تهديمهجسدت حضرموت مرتكزاً تجارياً مهماً منذ القدم لكل طرق التجارة البرية والبحرية، وفي مختلف الاتجاهات والمنتجات استيراداً وتصديراً مع أقطار العالم المتعددة، مما أفرز نسيجاً متيناً من الروابط والصلات التجارية مع الحضارات الأخرى، كالحضارة اليونانية والرومانية والفارسية والصينية والهندية.
وتمكن الحضارم من لعب دور الوسيط في العديد من الأنشطة التجارية، حيث كانت مدنهم منطلقاً لعدد من محطات القوافل ومراكز التجارة، وكان لها عدد من الموانئ القديمة أشهرها ميناء قنا (حصن الغراب)، والشحر، وقد استمد ميناء (قنا) شهرته من كونه مركزاً لتجارة اللبان حيث كانت ترسو المراكب الشراعية وتتزود بما تأتي به القوافل البرية بواسطة الجمال التي كانت لها دور بارز في ازدهار التجارة قديما بقدرتها على حمل الأثقال ولمسافات طويلة إلى بلاد الرافدين والشام، ويتم نقل واستيراد العطور والذهب والحرير من الهند وأفريقيا عبر ميناء (قنا) ومنه تحمل إلى العالم الخارجي .
ويرى معظم المؤرخين من خلال اطلاعهم على الخرائط أن هناك عدة طرق يمكن أن تكون القوافل قد استخدمتها في أوقات مختلفة، مثل طريق التجارة المهم المعروف بطريق اللبان الذي كان يمتد من ميناء (قنا) الواقع على بحر العرب مروراً بغزة في فلسطين على البحر المتوسط، وتمر بشبوة عاصمة حضرموت التي كانت منطلقاً مهماً لتجارة اللبان، ومنه إلى مأرب ومن ثم الجوف، ومنه إلى نجران، فالخليج، ومن ثم إلى جنوب الرافدين، وهناك طريق رئيس يمتد من نجران نحو الشمال ماراً بيترب، ثم شمال الحجاز ومنه إلى البتراء، ويتجه الطريق الرئيس من البتراء نحو ميناء غزة، بينما يتفرع أيضاً إلى دمشق، ومنها إلى مدن الساحل الفينيقي .
وكانت حضرموت معبراً وسوقاً تجارياً، حيث شكلت شبام منذ القدم سوقاً مهماً من بين الأسواق في الجزيرة العربية ومعبراً لتجارة اللبان والبخور والحرير.
وعن أهمية ميناء الشحر يفيد الباحث خالد باوزير، في كتابه عن «موانئ سواحل حضرموت» بأنها أخذت دوراً ريادياً كميناء بعد ميناء (قنا) من حيث الأهمية بعد أن توقف نشاط ميناء (قنا)، وقام بدور مهم في الفترات القديمة والوسيطة والحديثة، وربط حضرموت ساحلها وداخلها بالعالم الخارجي .
ويؤكد الباحث د. عبدالعزيز بن عقيل، في بحثه الموسوم بـ:«اليمنيون في المهجر» المنشور في مجلة «العربي» (نقلته صحيفة 26 سبتمبر، في عددها رقم 1232 الصادر في 2005/11/24م)، حيث أشار في بحثه إلى أن «حضرموت قد بلغت مبلغاً كبيراً أيام القحطانيين من التقدم العمراني والتطور العسكري والاقتصادي، وتحققت فيها حضارة راقية أثناء ازدهار تجارة (اللبان) كسلعة مقدسة وتجارة البخور، وتجاوز اسم حضرموت حدود المكان، وذاع صيتها في مراكز حضارة العالم القديم، وسمي ملك حضرموت (بملك بلاد اللبان) وكان لمينائها البحري القديم (قنا) دور كبير عبر التاريخ وشيدت المدن القديمة على محطات الطريق التجاري القديم عبر أراضي حضرموت».
وعن تحديد مناطق اللبان والمر العربية ذكر المؤرخ محمد عبدالقادر بافقيه في كتابه (تاريخ اليمن القديم) ما قام به الرحالة الأوروبي (بليني) في رحلاته الاستكشافية لبلاد البخور في أواخر القرن الثامن عشر، في البحث عن الطريق الرئيس الذي كانت القوافل تسلكه وهي تحمل تلك البضاعة، فقد تحدث (بليني) في كتابه (التاريخ الطبيعي) : وقال «انه لا توجد بلاد تنتج اللبان إلا بلاد العرب، ولكن ليست كلها، وإنما بلاد الحضارم وهم جماعة من السبئيين، تقوم عاصمتهم شبوة».
وورد في كتاب منهجي (التاريخ القديم) الصادر من إدارة المناهج والوسائل التعليمية بوزارة التربية والتعليم في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية للمستوى الرابع الابتدائي، طبعة 73 - 1974م، أن سكان حضرموت عملوا بالتجارة والزراعة، وكانت لهم حضارة واسعة حيث اشتهروا بصناعة الحلي والأثاث والعطور والبخور، وأأقاموا السدود وشيدوا القصور واعتنوا بالزارعة عناية فائقة، كما كانوا تجاراً ذوي مهارة فائقة، واشتهروا بكثير من أنواع الفنون الجميلة التي لا تختلف عن الفنون التي ظهرت في عهد المعينيين والسبئيين والحميريين .
وتميزت حضرموت ببنائها الطيني المتميز بعلو ارتفاعه حيث تعد الموطن الأول لأول ناطحات سحاب في العالم، يضاف إلى ذلك زراعة النخيل، وتفننوا أيضا بصناعة السفن، واشتهار بحرها بربابنته، وكانت لهم عادات وتقاليد قديمة في استخدام اللبان الذي كانت ظفار التابعة لحضرموت منذ القدم، المنتج الرئيسي له.
ويعتبر اللبان من أحب أنواع الطيوب وأغلاها في بلدان الشرق القديم وحوض البحر المتوسط.
ويستخدم اللبان في الطقوس الدينية وكمعطر للأجواء، ويتفاخر بوجوده في منازل الأثرياء.