الصدفة قادت عددا من شباب منطقة قريو شرق شبام حضرموت بنحو 5 كيلومترات إلى فتحات موجودة بأسفل الجبل المطل على منازلهم، ليدفعهم الفضول إلى معرفة ما بداخلها، فإذا بهم يشاهدون عظاما آدمية، حاولوا التوغل إلا أن انهيار الحجارة والطين الجبلي سد تلك المنافذ، غير أنهم استطاعوا إخراج بعض محتويات تلك المقبرة التي بدت لهم غريبة.
ويقول المواطنان سعيد أحمد بن طالب وياسر بن طالب إنهما أبلغا السلطات بما حصل ووصل الأمن مباشرة إلى المكان.
«الأيام» وصلت ظهر أمس إلى المكان حيث شاهدت الأخوين أحمد صالح العامري مدير أمن مديرية شبام، وخالد القثمي مدير البحث الجنائي، اللذين نبها الأهالي إلى وجوب الحفاظ على بقايا العظام وقطع صغيرة لأوان فخارية.
كما زار الموقع أيضا الأخ عبدالرحمن حسن السقاف مدير عام الآثار بوادي حضرموت، الذي أفاد «الأيام» بقوله: «أوليا ممكن وصف ذلك الموقع بأنه مقابر كهفية، ولعل هذا يوصف أو يسمى بـ (النكوربولس)، تفقدنا الموقع ووقفنا أمام ما تم العثور عليه، غدا (اليوم) بالطبع سنتواصل مع ديوان الهيئة العامة للآثار لترتيب فريق عمل لكشف المزيد حول ذلك، أو إدراجه ضمن خطة الوزارة ضمن مواقع التنقيب والحفاظ عليها».. مؤكدا أن نوعية هذه المقابر قديمة للغاية.
كما اتصلت «الأيام» بالدكتور عبدالعزيز جعفر بن عقيل وهو عالم آثار وباحث في الحضارات القديمة، وشارك في عدد من التنقيبات مع بعثات علمية سابقة بحضرموت، ووصفنا له مشاهدتنا العينية المجردة لمعرفة توقعاته، فأجاب مشكورا من المكلا عصر أمس:«لربما تعود هذه المقابر لمستوطنة ما قبل الإسلام، والعمل في الموقع سوف يحدد بدقة علمية تاريخها».
صاحب المنزل الذي لم يكتمل بعد والذي يقع خلفه الموقع بنحو 3 أمتار الأخ سالم فرج بن طالب قال: «يشرفني أن أكون جارا لموقع كهذا، ولم أكن أعلم أن أفرادا موتى من عصر وحضارة قديمة يرقدون هنا، أطلب من الجهات المعنية أن تباشر الكشف عما تبقى».
بالعودة إلى مراجع تاريخية فإن المنطقة بأكملها (وادي حضرموت) كان الأولون فيها في عصور ما قبل الإسلام يدفنون أمواتهم في قبور بجدران الكهوف، وهو ما اكتشف في الثمانينيات بمنطقة ريبون القديمة، ولعل أكبر تلك الكهوف هو (القزة) القريب من الهجرين بدوعن.
منطقة (قريو) الواقعة شرق مدينة شبام ومنطقة (ذي أصبح) شمال شبام هما موقعان مأهولان اليوم وكانت هناك مستوطنات بشرية منذ ما قبل الميلاد.. في قريو شاهدنا بعض ما استخرج أمس من تلك المقابر أو المنازل الكهفية، وهي ثلاث جماجم وعظام وأوان فخارية وحجارة مربعة لا توجد عليها كتابة، مما يزيد الغموض أكثر مما مازال غير مكتشف هو أن بعض تلك البقايا الآدمية محترقة، فيما عظام وجمجمة كبيرة لم تصب بالحريق، والعظام المحترقة هشة وقابلة للتفتيت بمجرد لمسها، كما أننا شاهدنا آثار حريق بالطبع قديم جدا، وكذا بعض ملتقطات من الفحم، كما أن عظاما أخرى تبرز من بين الطين الجبلي الذي طمر المنافذ، ولعل ما هو بالداخل سوف يعطي الدليل القاطع هل تعرضت هذه الجثث منذ آلاف السنين للحريق بعد دفنها أو ماتت جراء حريق أصاب المقبرة فيما بعد، سيما أن بقايا الجثث الأخرى سليمة كما بدت لنا.
ثمة تساؤلات تبحث عن جواب: هل المدفون على إثر حريق حصل له في الزمان الغابر؟ وهل هذه المقبرة الكهفية ستدل على مستوطنة قريبة من المكان ذاته، أم أن الكهوف الصغيرة اتخذها هؤلاء سكنا لهم؟.. ما هو مؤكد أن المكان منذ ما قبل الإسلام، وسوف تزيح التنقيبات هذه التساؤلات والغموض، وتحدد عصر وزمن هذه الحضارة.. وبطون الجبال بوادي حضرموت كما هي تختزن ثروات معدنية، فداخلها كنز مدفون يحوي تاريخ حضارات سادت منذ آلاف السنين.
المصدر/«الأيام» علوي بن سميط: