طاقم القارب اليمني « وادي عمر2» :استخدمنا الصوماليون كرأس حربة لعملية قرصنة والبريطانيون أنقذوا حياتنامتابعات بلا ريش>«الأيام» محمد سالم قطن:القارب وادي عمر 2 قبيل خروجه من مصنع الشركة في الشحرطاقم القارب «وادي عمر2» يتكون من سبعة شبان يترأسهم الناخوذة محمد أحمد بن زغيو (من مواليد الديس الشرقية عام 1973م)، ثم المرحوم محمد سالم هذبول (من مواليد الديس الشرقية عام 1983م)، وعبدا لله سالم هذبول (من مواليد الديس الشرقية عام 1986م)، وأحمد سالم محيمود (من مواليد الديس الشرقية عام 1975م)، وحسن البرك كمون (من مواليد الديس الشرقية عام 1970م) ، وعوض الساري الغرابي (من مواليد الديس الشرقية عام 1983م)، ومحمد عبيد بامطرف (من مواليد الديس الشرقية عام 1974م). وجميع أفراد الطاقم هم من أبناء مدينة الديس الشرقية هذه المدينة العريقة التي أنجبت أمهر نواخذة البحر وأشجعهم.
إبحار في رحلة تجارية عادية
الناخوذه بن زغيو، قائد القارب شرح لـ«الأيام» قصة الرحلة من أولها بقوله:«خرجنا من ميناء الشحر السمكي بعد ظهر يوم الأربعاء 5 نوفمبر الجاري للقيام برحلتنا هذه لجلب أسماك من الصومال، وهي رحلة اعتيادية اعتدنا القيام بها كغيرنا من القوارب المماثلة حجما وسعة من وقت لآخر . أخذنا 24 ساعة في المجرى داخل مياهنا الإقليمية. ثم انحرفنا جنوبا باتجاه الصومال، بعدها بساعات وصلنا إلى منطقة في الصومال يقال لها (هنتارا) وقضينا يومي الجمعة والسبت فيها نستلم الأسماك. ومع ساعات الفجر الأولى من يوم الأحد 9 نوفمبر، وكنا نائمين بقاربنا، صحونا على أصوات منكرة وإذا بمجموعة من الصوماليين المدججين بالسلاح تقتحم القارب وتطلب منا تشغيل محركات القارب وتوجيهه باتجاه (بئر علي) وكان معهم سلّم حديدي أدخلوه معهم كما ربطوا قاربهم الشراعي الصغير (دنقي) بقاربنا وعرفنا من بين المقتحمين صوماليا كان يعمل هنا في الشحر والمكلا ويعرفه الكثيرون ممن لهم علاقة بميناء الشحر السمكي وجلب الأسماك من الصومال، يتكلم العربية بطلاقة ويلقب (خيانة) ومن تصرفاته عرفنا أنه هو قائد المجموعة التي يبلغ عددها 11 شخصا».
من يسار الصورة مراسل «الأيام» ثم الناخوذة بن زغيو والكسادي (وسط) يليه هذبول وكمون من طاقم القارب وادي عمر 2 في مقر شركة الاصطياد الساحلي3 أيام دروع بشرية ووسيلة حركة بيد القراصنة
ويواصل بن زغيو حكاية الرحلة قائلا: «رضينا بقضاء الله وقدره واستسلمنا للأمر الواقع أمامنا ، وتحركنا بالقارب تحت تهديد السلاح من قبل الصوماليين. وبعد بضع ساعات صرنا نتحرك بالقارب في المجرى العام الذي تمر به السفن التجارية الدولية. حاول هؤلاء القراصنة إيقاف سفينة تجارية ضخمة عليها المئات من الحاويات، لكنها كانت تمخر البحر بسرعة كبيرة، وتحركوا بقاربنا مسرعين خلفها، لكنهم لم يفلحوا. بتنا في البحر ونهار اليوم الثاني تابعوا محاولاتهم مع بواخر أخرى لكنهم لم يظفروا بشيء.. بتنا ليلة أخرى وفي اليوم الثالث لاحقوا باخرة نقل نفط عملاقة فتوقفت لهم. حاولوا تسلق الباخرة مستخدمين السلّم، لكن السلّم انكسر وسقط في البحر.. فكروا بعد هذا الفشل في إحضارسلّم آخر. وهكذا انطلق قاربنا وخلفه البوت (الدنقي) حقهم مربوط. باتجاه منطقة في الصومال اسمها (هابو) .
اقترب الفرج ولكن بعد ضريبة من النيران
ونحن في طريقنا إلى (هابو)، كما ذكرت، تابعتنا باخرة عسكرية ضخمة عليها العلم البريطاني وكانت تنادي بصوت مسموع: ستوب ستوب، وفي هذه اللحظة أخذ الصوماليون القراصنة استعدادهم بما فيه تولي قيادة كابينة القيادة للقارب بأنفسهم. كرر البريطانيون نداءاتهم ولم يتوقف القارب. كنا (نحن الطاقم اليمني) قد نزعنا فانلاتنا البيضاء نلوح بها بينما كان القراصنة الـ11 صوماليا ممسكين بأسلحتهم ومنهم من يتولى القيادة بشراسة. استمرت المطاردة الرهيبة استخدمت الباخرة الحربية البريطانية أنابيب رمت على القارب وابلا كثيفا من المياه الساخنة. ويبدو أنهم عرفوا إشاراتنا بالفنايل البيضاء وميزونا عن الصوماليين المسلحين، فجاءت منهم إشارة لنا بالتحرك إلى مقدمة القارب، لكن بعض الصوماليين خالطونا.
القارب وادي عمر بعد عودته وقد تهشم زجاج كابينأنزلت الباخرة الحربية زورقين سريعين على كل منهما مجموعة من الجنود بكامل عدتهم فأمطروا القارب بوابل كثيف من النيران. مرت تلك الدقائق الرهيبة ويقتل كل من كان بكبينة القيادة وأصاب الرصاص كذلك المقدمة التي كنا فيها ويقتل زميلي محمد سالم هذبول رحمه الله ويصاب شقيقه عبدالله ومحمد عبيد. هدأ الموقف بعض الشيء، لكن القارب كان يسير على غير هدى بعد مقتل القراصنة في الكابينة. تلقيت وأنا واقف في المقدمة إشارة من الجنود من على الزورقين بأن أتحرك إلى الكابينة لإطفاء مكينة القارب ففعلت وتوقف القارب.
تحقيق لمدة عشرين ساعة
طلب البريطانيون من جميع الناجين الانتقال إلى البوت الشراعي الصغير (دنقي) الذي ربطه القراصنة بقاربنا منذ أول يوم. انتقلنا جميعا إلى ذلك البوت حتى الذين تبقوا من القراصنة وعددهم 8 انتقلوا معنا كذلك. وبعد انتقالنا صعد ضباط بريطانيون إلى قاربنا ومعهم ضابط طبيب وعاينوا جثث القتلى ، 3 صوماليين وزميلنا محمد، ثم نزلوا. جاء إلينا في البوت (الدنقي) الضباط البريطانيون ومعهم مترجم وأخذوا يحققون سين جيم واستمر التحقيق لمدة عشرين ساعة. وبعد انتهاء التحقيق طلبوا منا نحن اليمنيين الانتقال إلى قاربنا فانتقلنا وأبقوا الصوماليين الثمانية في البوت (الدنقي) حقهم .
اقتراب الفرج ورحلة العودةعلى ظهر قاربنا كان فوقنا حراسة من الجنود البريطانيين، تحاور معنا الضباط عن كيفية التعامل مع جثة زميلنا المقتول ، فقلنا لهم ؤننا نريد أن نكفنه بثوبين أبيضين. ذهبوا إلى الباخرة الحربية وبعد فترة جاء إلينا آخرون من قبلهم ومعهم قطعتان من القماش الأبيض، فشكرناهم وأخذنا نحن الستة الناجين نكفن زميلنا القتيل . ثم طلبوا منا أن نغادر إلى حيث تشاءون ــ حسب تعبير المترجم ــ إلا أنني رفضت أن أتحرك بالقارب إلا بعد أن يقوموا هم بإخراج جثث الصوماليين القتلى الثلاثة من القارب. عادوا إلى باخرتهم الحربية ثم بعد فترة جاء إلينا ضباط وجنود عرفنا من بدلاتهم وكلامهم أنهم غير بريطانيين. (كانت قد رست بعد عملية إطلاق النار وتوقف القارب بارجة حربية كبيرة عليها علم لم نتمكن من معرفته. وهؤلاء الضباط والجنود هم من أفرادها) وقاموا بحمل جثث الصوماليين الثلاثة وإخراجها من قاربنا .
عندما هممنا بالتحرك عائدين، أخبرونا بأنهم سيرافقوننا، وبالفعل تحركت معنا الباخرة الحربية البريطانية والبارجة الحربية الأخرى التي لم نعرف جنسيتها وكذلك الزورقين البريطانيين. وعندما أصبحنا صباح الجمعة 14 نوفمبر على مسافة 20 ميل بحري من الشحر توقفوا، وجاء إلينا أحد الزورقين البريطانيين وسلمنا هذه الشارة (شارة البحرية الملكية البريطانية) كمرجعية وذكرى وأخبرنا بأن المحتجزين من القراصنة الصوماليين سيكونون لديهم في مقر قيادتهم بكينيا بهدف متابعة القضية».
الناخوذة بن زغيو وعدد من زملائه أفراد الطاقم الذين التقتهم «الأيام» أشادوا بالغذاءات الطيبة التي قدمها لهم البريطانيون، فكان فيها كما قال الشاب عبد الله سالم هذبول لمراسل الصحيفة الذي قدم له التعزية في مقتل شقيقه الشاب محمد : «كان غذاء جميلا طيبا، فيه يا أستاذ محمد كل شيء حتى التفاح، ولم نذق مثله لا هنا في الديس الشرقية ولا في مقر الشركة بالشحر».
الناخوذة بن زغيو يقوم ظهر أمس بربط القارب وادي عمر 2 بقارب اصطياد لقطره إلى موقع الصيانة داخل ميناء الشحر السمكيالأخوان م.أحمد مبارك الكسادي مدير الشركة التي يتبعها القارب «وادي عمر2» ورجل الأعمال زكي عبده الحضرمي مالك الشركة، اللذان كانا يتابعان عن كثب إجراءات التحقيق الذي قام به أمن الشحر ونيابتها مع طاقم القارب مساء الجمعة وصباح السبت (14و15 نوفمبر) وحضرا بعض مجريات هذا التحقيق الصحفي لم يضيفا الشيء الكثير بعد الترحم على روح الفقيد الشاب محمد سالم هذبول سائلين الله العلي المتعال أن يسكنه الجنة وأن يبعثه مع الشهداء والصديقين، سوى إفادة الأخ زكي بأنه كلّف مكتب الشيخ طارق المحامي وابنه بعدن بمتابعة قضية تعويضات هذا القارب وطاقمه نيابة عن الشركة وعنه قضائيا على كل المستويات. وقدما اعتزازهما بـ«الأيام» في مهنيتها الصحفية كمرآة صادقة يرى فيها كل الشعب والوطن صورته الحقيقية بأحداثها ونبضها.