متابعات بلا ريش بائع قات في سوق صنعاء لـ (بي.بي. سي):القات هو مفتاح السلام في اليمن.. ومن الغباء أن يتدخل أحد في هذا الأمر تقول الحكومة اليمنية إن عادة مضغ أوراق القات تضر بالاقتصاد اليمني والصحة العامة، لكن مبعوثة (بي. بي. سي) إلى اليمن (ستيفاني هانكوك) خلصت إلى أن كبح جماح عادة القات مهمة تحتاج إلى بذل جهود مضنية.
وقالت: «لم يمض على وصولي إلى اليمن سوى دقائق قليلة حتى لاحظت رجلا وقد انتفخت إحدى وجنتيه انتفاخا كبيرا.. لقد كان حجم الانتفاخ كبيرا، ووجه الرجل مكتنزا بحيث بدا وكأنه ينبض مثلما ينبض القلب.
ونظرا لأني نشأت في بيئة تستهجن التحديق في وجوه الآخرين، فقد أخذت أشعر ببعض الذنب لكني رغم ذلك واصلت استراق النظر إلى هذا الرجل البائس، لقد قلت في نفسي ياله من مرض مرعب! وما أحسن المحيطين به إذ لم يحدقوا في وجهه مثلما فعلت!.. تساءلت ما إذا كان الانتفاخ في وجنته بسبب ورم أصيب به أو ربما لإصابته بأحد أنواع الغدة الدرقية.
لم أشأ أن أبدو فظة لكني سألت مرافقي ودليلي أحمد ما إذا كان هذا الرجل مريضا.
وما لبث مرافقي أن استدار دون اكتراث وألقى نظرة على الرجل، ثم أطلق ضحكة خفيفة، وقال: «إنه القات».. لقد اكتشفت سر المادة التي تجعل اليمنيين يحدثون صوتا! إنه القات.. نبات القات هو نبات ينمو في شبه الجزيرة العربية وعندما يمضغ المرء أوراقه، فإنه يتناول منشطا خفيفا.
تُعرف هذه العادة في اليمن بعادة مضغ القات لكن التسمية غير دقيقة لأن الأسنان لا تشارك في المضغ.. وتقوم عادة مضغ القات على حشو إحدى الوجنتين بأكبر كمية ممكنة من أوراق القات.. وبعد حين، تتشكل في شفتي المتعاطي للقات عجينة ذات رغوة خضراء اللون.
عند هذه النقطة يصبح الحوار مستحيلا.
ومن ثم، فإن تبادل أي معلومات مهمة يجب أن يكون من خلال إحداث أصوات واستخدام إشارات، إن القول إن مضغ القات عادة تحظى بشعبية في اليمن هو قول لا يصف الوضع بدقة؛ فكل يمني تقريبا يمضغ القات إذ يتعاطى لهذه العادة ثلثا الرجال وثلث النساء في اليمن.
ويُذكر أن عادة مضغ القات في اليمن ليست مقتصرة على نخبة معينة وإنما يتعاطى لها رجال أعمال وأطفال شوارع على السواء.
وباستثناء بعض مدمني القات القلائل، فإن معظم اليمنيين يبدأون تخزين القات بعد تناول وجبة الغذاء، وبالتالي فإن المضغ يستمر حتى وقت متأخر من الليل.
استرخاء بعض اليمنيين يمضغون القات سعيا وراء طاقة تعينهم على إنجاز أعمالهم بينما يتعاطى له آخرون نشدانا للاسترخاء.
ورغم أن القات أصبح جزءا لا يتجزأ من الحياة في اليمن، فإن الحكومة لا تكف عن إبداء قلقها من آثاره إذ دقت جرس الإنذار هذا الأسبوع منبهة إلى مدى تغلغل القات في الحياة اليمنية.. لقد ذهبت إلى مكتب وزير التخطيط اليمني، عبدالكريم الأرحبي، الذي دق جرس الإنذار، حيث شرح لي الأمراض والآفات التي يتسبب فيها القات.
قال الوزير اليمني: «إن الأضرار الصحية التي قد يتعرض لها المبتدئون تشمل الإصابة بسرطان الفم، والمرض في تصاعد بسبب استخدام المزارعين للمزيد من مبيدات الحشرات..». وأضاف الأرحبي أن «المزارعين أصبحوا يتجهون إلى زراعة القات بدل زراعة المحصولات الزراعية، لأنه يجلب لهم أموالا أكثر.. استنزاف اقتصادي لنبات القات، حاولت الحكومة اليمنية إقناع اليمنيين بالإقلاع عن مضغ القات، ويؤدي إقبال المزارعين على زراعة القات إلى استنزاف الموارد المائية في بلد يعاني من الجفاف وزيادة الاعتماد على استيراد المواد الغذائية في وقت ارتفعت فيه أسعار المواد الأساسية.
وتابع المسؤول اليمني أن «تعاطي القات يؤثر سلبا على الإنتاجية؛ إذ يقضي الشباب ساعات مطولة في تخزين ومضغ القات بدل أن يقبلوا على العمل..». انتقاد لكن منتقدي الحكومة يشيرون إلى أن واحدا من كل ثلاثة يمنيين عاطل عن العمل، ومن ثم فإن مضغ القات ما هو سوى وسيلة لتزجية الوقت وصرفهم عن التعاطي للمشروبات الكحولية والمخدرات القوية.
واتضح لي من خلال جولة في سوق القات بالعاصمة صنعاء أن أوراق القات الجيدة قد تكلف صاحبها 20 دولارا، وهي لا تصمد سوى لمساء واحد، لقد أدركت أن القات يشكل جزءا هاما من الاقتصاد اليمني.. أخبرني مرافقي أحمد أنه يشك في صحة نوايا الحكومة التي تقول إنها تريد مكافحة القات إذ أنها تجني من وراء زراعته أمولا طائلة بفضل الضرائب المفروضة على المزارعين، وأضاف مرافقي لكن بصوت هامس أن تعاطي القات يجعل اليمنيين لا يتساءلون أين تذهب الأموال المحصلة من عائدات النفط.
لقد شهدت اليمن مؤخرا احتجاجات اجتماعية حيث خرج شباب غاضب غير قادر على الحصول على فرص عمل إلى الشوارع.
إن الفقر والفساد وتعثر الأداء الاقتصادي كلها عوامل مرتبطة بشكل أو آخر بصناعة القات.. لكن لا أحد يعرف ماذا يمكن أن يحدث لو منعت الحكومة صناعة القات. لقد قال لي أحد بائعي القات في سوق صنعاء: «إن القات هو مفتاح السلام في اليمن.. ومن الغباء أن يتدخل أحد في هذا الأمر».
3/8/2008م
«الأيام» عن (بي. بي. سي):