نشر في صحيفة الأيام للكاتب محمد سالم قطن ننقله للفائدة كتاب التجار والعلماء الحضارمة في المحيط الهندي فيما بين خمسينات القرن الثامن وستينات القرن العشرين[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]محمد سالم قطنللمؤلفين : ألريك فريتاج & وليم كلارينس سميث ..عرضه وعلق عليه بالإنجليزية السلطان غالب عوض القعيط.
إن المادة الأصلية لهذا الكتاب كانت موضوعات جرى استعراضها خلال تجمع عالمي انعقد في إبريل من عام 1995م في ندوة ضمت عدداً من العلماء المشتغلين بتاريخ حضرموت والشتات الحضرمي في المهجر
احتضنتها مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن. هذا الكتاب يشمل نسخاً معدلة ومراجعة لقرابة 19 ورقة علمية من أصل الـ31 ورقة التي جرى تقديمها في ندوة عام 1995م المشار إليها، إضافة إلى ثلاثة فصول جديدة قام المؤلفان بإضافتها، وفي اعتقادي إن هذا الكتاب هو العمل الشامل الوحيد من نوعه الذي جرى نشره حتى هذا اليوم، ويتضمن بحثاً علمياً على أعلى مستويات الجهد والعناية في مختلف موضوعاته وأنظمته، ففي الفصل التقديمي من الكتاب، وتحت عنوان: «حضرموت والشتات الحضرمي في العصر الاستعماري الحديث» استطاع كلارنس سميث بمهارة فائقة أن يسحب في آنٍ واحد المادة التاريخية لكل تلك الأوراق العلمية معاً، وكما يشير هو بقوله: «إن الهجرة الحضرمية كانت محددة وحصرياً نحو المحيط الهندي مما يجعلها متغايرة مع هجرات اليمنيين الآخرين الذين ذهبوا كعمال إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، وبرغم ذلك فإن حوض المحيط الهندي يغطي مساحة عريضة جداً تمتد من مصر إلى استراليا، ومن جنوب إفريقيا إلى الصين ضمن هذا النطاق الجغرافي الشاسع جداً، كان الحضارمة على وجه الخصوص نشطاء تجارياً وسياسياً ودعاة هداية إلى الإسلام السني في بلدان إندونيسيا، كما تدعى اليوم، وماليزيا، وفي جنوب غرب شبه القارة الهندية وفي هضبة الدكن، وعلى كلا شاطئي البحر الأحمر وفي خليج عدن، وفي سواحل شرق إفريقيا والجزر المجاورة لها هبوطاً إلى جزر القمر جنوباً». الأمر الذي جعل كلارنس سميث يخرج باستنتاج أن تاريخ حضرموت خلال القرنين الماضيين لايمكن فهمه إلا عبر فهم واستيعاب محيطه في الشتات الحضرمي واسع الانتشار، ويعود ذلك إلى شبكة المهاجرين الحضارمة الناجحة التي أهلتهم لأن يلعبوا دوراً كبيراً في المجتمعات المضيفة لهم في بلاد المهجر بما يفوق بمرات مايمكن توقعه تناسباً مع ضآلة حجم وسكان وطنهم الأصلي. هؤلاء الحضارمة المهاجرون أبدوا قابلية رائعة في الاندماج مع المشهد المحلي مع احتفاظهم بهويتهم المميزة .
نوَّه كلارينس سميث بعدد من الدراسات التي عنيت بالمهاجرين الحضارمة منها دراسة فان دين بيرج (1886) ودراسة انجرامز (1937)، لكن نستغرب أنه لم يعط أية إشارة لمساهمة صلاح البكري المهمة على الرغم من وجود إشارات مرجعية لأعمال البكري في ورقة الكسندر كنيش حول الإصلاح الديني في حضرموت. البكري المولود في إندونيسيا ارتبط مع غيره من المثقفين هناك مثل علي أحمد باكثير بنشاطات ثقافية وسياسية وأدبية كان لها عميق الأثر في الشتات الحضرمي .
ورقة فريد العطاس العلمية المعنونة :«حضرموت والشتات الحضرمي» ارتبطت في أغلبها بقضايا تاريخية، فهو يعتقد بأن مفهوم ابن خلدون عن العصبية وثيق الصلة بفهمنا لدور «الحوطة»، مدن أو قرى تعد بمثابة حرم ديني، ولدى استعراض فريد العطاس للتراتبية الاجتماعية (السلم الاجتماعي) في المجتمعات الحضرمية خلال الأزمنة الماضية نراه يخفق في التمييز بين رجال القبائل وبين الرجال المعتوقين من العبودية ، وهي الجماعة التي كان حضورها كبيراً في الهند بتوفير المجندين الجدد لقوة حرس الفرسان الإفريقية التابعة لنظام حيدر أباد «رسالا الحبوش» ولعله قد تعمد إلحاق الفئة الأولى بالمشايخ والثانية بالمساكين، إضافة لذلك فإن «الحوطات» ليست محصورة على السادة فقط ، فبعضها على قلته كان مرتبطاً بمشايخ أما النقطة التي تستحق التأكيد، فهي أن المقصود بالعرب الذين نشروا الإسلام في الشرق الأقصى هم أساساً عرب الجنوب الغربي لشبه الجزيرة العربية .
في ورقته المعنونة بـ«التوسع وتأسيس الدولة والإصلاح : الصراع من أجل السلطة في حضرموت خلال القرن التاسع عشر» قدم (فردهيلم هارتويج) محاولة جريئة لإدخال مياه البحر إلى جرة صغيرة وهو مثله مثل (فريتاج) و(بوكسيبرجر) و(خالدي) وآخرين نجحوا إلى حد كبير. لقد استفاد (هارتويج) من صف مؤثر من المصادر العربية بما فيها كتاب محمد بن حميد الكندي «تاريخ حضرموت» (1991). لقد تفحص التساؤل عن رغبة جموع (اليافعيين) في الالتحاق ببدر بن محمد المردوف (السلطان الكثيري عام 1705م) إلى حضرموت. السبب لبس هو الذهب أو الأرض اللذان لا يملكهما المزدوف حتى يمنحهم إياهما. لكن الضغوط الزيدية المحلية وأيضاً حقيقة أن منصب (عينات) السني حثهم على دعم بدر، خاصة وأن عائلة المنصب كانت قد اكتسبت تأثيراً روحياً قوياً على يافع منذ زمن (علي هرهرة) ذلك الواعظ اليافعي المحبوب الذي تلقى تعليمه الديني في (عينات).
بالمناسبة، فإن مؤرخي حضرموت ينظرون لحالة غياب سيادة القانون في المنطقة بمعزل عن إدراك حقيقة أن يأمل أي حاكم -مهما بلغ من الاهتمام وحسن النية- في كبح جماح تلك القبائل المولعة بالحروب وضبطها بدون اعتمادات مالية كافية، وعلى الرغم من أن ورقة هارتويج العلمية كانت فائقة النوعية، إلا أن ذلك لم يحصِّنها من الوقوع في أخطاء شاذة عن الحقيقة فمثلاً : أن آل عبدالله (الكثيريين) لم يشتروا مدينة الغرفة من القبائل اليافعية وإنما اشتروها من عشيرة تميمية تدعى القرامصة، كما أنه من الخطأ استنتاج أن السلالة القعيطية التي حكمت حضرموت قد أسست كيانها بالاعتماد على القوى البريطاينة، بالعكس فإنهم قد فعلوا ذلك على الرغم من المعارضة البريطانية لهم، لقد كان إصرارهم على خوض الصراع طويل المدى بالرغم من أنه لم يكن ضرورياً مع النقيب الكسادي بالغ التكلفة، حيث كان موقف البريطانيين ينبع من اعتقادهم بأن الحكم القعيطي يعني امتداداً لتأثير نظام حيدرأباد لما وراء الهند، وفي الواقع يوجد دليل قوي من (سجلات رئاسة بومباي) بأن المساعدة الوحيدة التي وافق البريطانيون على تقديمها للقعيطيين خلال الجهود الأخيرة لاسترداد الشحر من الكثيريين عام 1866م، كانت محددة ببيع بعض المواد لهم كالحبال ومعدن الرصاص وبودرة البارود !! وقد كان ذلك مقابل الدعم الذي تلقته الهند البريطانية من القعيطي ونظام حيدر أباد خلال الأزمة التي اضطرت رئاسة بومباي إلى إرسال البرقية الشهيرة التي تقول : كل شيء سيفقد إذا زال نظام حيدر أباد .
وعندما تصارع القعيطيون مع الكساديين فيما بعد كانت إدارة المقيم البريطاني بعدن تدعم في البداية الكساديين .
لقد كانت القدرة المالية للأسرة القعيطية وكذلك مقدرتها المثبتة على ضبط المنطقة والانتصار الذي تحقق في النهاية هي العوامل التي أدت إلى المصادقة والقبول البريطاني. على الرغم من بقاء البريطانيين على تخوفهم السابق من روابط القعيطي مع حيدر أباد. هناك اعتقاد خاطئ آخر وهو أنه بسبب ممتلكات القعيطيين في ساحل حضرموت اعتبرت وكأنها الأسرة الحاكمة للساحل أساساً بينما واقع الأمر يشير إلى أن المربض التاريخي لقوتهم - أي القعيطيين- في داخل حضرموت، فقد كان أول انخراط لهم في الشؤون الحضرمية في وادي حضرموت إذ تدخلوا داعمين حركة استعادة مدن تريم وسيئون وشبام لصالح اليافعيين المحليين المستقرين فيها، الذين فقدوها بعد أن وقعت بأيدي الكثيريين .
الورقة العلمية التي قدمتها (ليندا بوكسبير) تحت عنوان «السياسة الحضرمية 1888-1967» تمثل محاولة رائعة للوصول إلى فهم لهذا الموضوع الشائك، وبما أنها ذكرت المرتب الذي يدفعه القعيطيون للرئيس الأعلى للحموم كمكافأة له على السلوك الحسن. هذه الكاتبة لم تقام لفت النظر إلى أن مرتب المذكور سلفاً كان بنسبة الثلث (20 تالر) عن المرتب الذي كان يدفعه البريطانيون البخلاء للسلطان القعيطي!
وفيما يتعلق باتفاقية عام 1918م بين السلطانين القعيطي والكثيري لجعل حضرموت مملكة واحدة فإن الذي عارض ذلك ليس هو السلطان الكثيري، بل هم رجال عشيرته الأثرياء في الشرق الأقصى
مثل بن عبدات) الذين كانت لهم طموحاتهم الشخصية الخاصة، ومما يستحق الإشارة هو أن مهمة حفظ الأمن في سيئون وتريم لفترة طويلة من الزمن كان يضطلع بها جنود قعيطيون إلى أن قرر السلطان عمر بن عوض القعيطي ترتيب النفقات فقام بسحبهم.
وبدون أن أرغب في انتقاص دور هارولد انجرامز كصانع سلام في أواخر ثلاثينات القرن العشرين أشير إلى الرحلة التي قام بها السلطان عمر بن عوض إلى حضرموت الداخل عام 1934م، باعتبارها العامل المساعد الذي هيأ لعقد سلسلة من الهدنات مكنت فيما بعد (انجرمز) من تمديدها أو البناء عليها. إنني أهنئ السيدة (بوكسبيرجر) لكونها أول من قدم وصفاً دقيقاً للشغب الذي جرى في المكلا ضد تعيين الشيخ القدال وزيراً خلال الفترة التي كان فيها الكولونيل (بوستيد) مستشاراً مقيماً ووكيلاً بريطانياً.
الورقة العلمية التي قدمها (انج سنج هو) وهو انثروبولوجي شاب من أصول ملاوية صينية كانت تحت عنوان: «حضارمة خارج حضرموت: المولدين» تناقش التوترات التي عادة ما تحدث بين الحضارمة الأصلاء في الوطن الأم وإخوانهم الحضارمة الهجناء مختلطي السلالة (المولدين) في المهاجر ما وراء البحار، الذين ينظر إليهم بعض القادة المحافظين بحضرموت كمنحلين ومصدراً للتلوث السلوكي وإنه لشيء يستحق الإشارة إليه أن مصطلح (مولد) كان يطلق في الأصل على أولئك المولودين خارج وادي حضرموت. (يطلق أهل الساحل على مناطق الداخل اسم حضرموت ويشير أهل الداخل إلى إخوانهم في مناطق الساحل بأهل الساحل على الرغم من أنه كان يطلق في الأزمنة الماضية على الساحل اسم الشحر، وليس من الضروري أن يتضمن مصطلح المولدين أولئك الذين ولدوا خارج حضرموت)، فعلى سبيل المثال نجد السيد حامد المحضار في الكتاب الذي كتبه عن سيرة حياة جده السيد حسين بن حامد المحضار (المنشور عام 1983م) يشير إلى أنه حتى أولئك المولودين في مناطق ساحل حضرموت يعتبرون (مولدين) بينما المولدون في الداخل يعتبرون أنفسهم (ولايتي)، لهذا وبصورة عامة فإن مصطلح (مولدين) هو وصف للمولدين خارج نطاق الوادي وخارج القطر الحضرمي . لذا فالشخص الهجين خليط الدم المولود بحضرموت لا يعد مولداً.
الفصل الختامي الذي عنونته (فريتاج) تحت:«الشتات الحضرمي ما بعد عصر الاستقلال» يناقش التغيرات في نمط الهجرة الحضرمية في فترة ما بعد الحرب وما بعد المرحلة الاستعمارية. مشيراً إلى تغيرها من هجرة طويلة المدى للاستيطان والاستقرار في مهاجر أغلبها غير عربية إلى هجرة قصيرة المدى للعمل فقط في بلدان الخليج.
كما أنها، أيضا، أولت اهتماماً لمسألة التأثير السلبي للحكم الماركسي السابق في جنوب اليمن على العلاقات بين الوطن الأم وبين الشتات الحضرمي في المهاجر، وعلى الضغوط الملحة التي تعرض لها أولئك الحضارمة المقيمون بعيداًَ عن العالم العربي للتكيف والذوبان في مجتمعات غريبة، وأن كل ذلك قد تم على حساب موروثهم وهويتهم الثقافية واللغوية .
إن هذا الكتاب يقدم الكثير لقرائه سواء أكانوا قراء عاديين أو مختصين، لكن سعره يجعله بعيداً عن متناول أغلب الجيوب الشخصية. إننا نأمل من ناشريه أن يجعلوه في القريب العاجل في متناول القاعدة العريضة من القراء من خلال إعداد طبعة خاصة منه ورقية الغلاف