رجال في ذاكرة التاريخ
متابعات بلا ريش«الأيام» نجيب محمد يابلي:
السلطنة الكثيرية والسادة وآل الكاف:يفيد العلامة محمد بن أحمد الشاطري في مؤلفه المرجعي:(أدوار التاريخ الحفري) (صـ 459)«أن السلطنة الكثيرية الحضرمية، سلطنة آل عبدالله كان أول سلاطينها غالب بن محسن بن أحمد بن محمد بن علي بن بدر بن عبدالله بن عمر بن أبي طويرق، وقد ولد سنة 1222هـ بحضرموت الداخل وقد تأثر منذ نشأته بما يسمعه عن تاريخ آبائه الذين كانوا سلاطين هذا القطر، والتحق بجيش نظام حيدر أباد، وارتقى درجات السلم ووصل إلى رتبة(جمعدار)».
«توفي السلطان غالب سنة 1287هـ بعد خمس سنوات، وكان ملكه يضم أكبر وأوسع مدن الداخل، وهما سيئون وتريم وبعض القرى الأخرى، وكانت السلطنة الكثيرية تعتمد في مبدأ تأسيسها على إرسالية سلطانها الأول غالب بن محسن وعلى المعونات التي تلقاها من أثرياء العلويين وغيرهم، ثم صارت تعتمد على ضرائب المعشرات الضريبية». (مرجع سابق- صـ 410).
«أما بالنسبة لخدمة الكهرباء السلطنة الكثيرية التي تمتعت بتلك الخدمة عام 1375هـ، حيث أسس بمدينة سيئون في ذلك العام سالم باحبيش شركة الكهرباء الحضرمية المحدودة، وتلتها شركة كهرباء الشحر، فشركة كهرباء تريم وشبام.
أما أول شركة تجلب مياه الشرب بحضرموت وهي شركة شبام وتأسست سنة 1382هـ (1962) وتلتها شركة المياه الوطنية المحدودة بتريم». (مرجع سابق - ص 419).
«أما أقدم رباط علمي هو رباط العلامة الداعية علي بن محمد الحبشي بسيئون ويليه في التأسيس رباط تريم الشهير (أزهر حضرموت) وقد أسست مدرسة جمعية الحق بتريم سنة 1334هـ واستقدم الأستاذ محمد بن هاشم سنة 1346هـ ليتولى نظارة التعليم وتوقفت المدرسة بعد 17 عاما، وحلت محلها فيما بعد مدرسة الكاف.
أما مدرسة جمعية الإخوة والمعاونة بتريم فهي أول مدرسة أهلية أسست على الأنظمة الحديثة، وقد تسلحت أعداد لاحصر لها من الحضارم بالعلم سواء في السلطنة القعيطية أم السلطنة الكثيرية، ومنهم السادة آل الكاف الذين دخلوا دائرة الضوء من عدة بوابات: بوابة المال والأعمال وبداية الطب وبوابة التعليم». (مرجع سابق صـ 411 و423).
الميلاد والنشأة:
ورد في كتاب (عميد ألوان عاشق النغم حداد بن حسن الكاف) لمؤلفه جيلاني علوي الكاف أن حداد بن حسن الكاف من مواليد عام 1907 في مدينة تريم التاريخية في عائلة جمعت بين العلم والمال والأدب والفن، كما قدمت عائلة الكاف العديد من الأعمال الخيرية والمشاريع الحيوية، حيث بادرت ببناء المساجد والمدارس وغيرها.
سماه والده (عمر) ولقبه (حداد) وغلب اللقب على الاسم، وبحسب معلومة وردت في الكتاب المذكور أفاد ابن أخيه الداعية علوي محمد (عيديد) حسن الكاف أن الفقيد حداد ألحقه والده بداية بـ (علمة) (معلامة) سعيد بالسحيل، وقرأ القرآن على يد الشيخ عمر بن سعيد باغريب وابنيه سعيد وسالم وعندما ختم حداد القرآن عمل والده - رحمه الله - وليمة كبرى دعي إليها الطلبة وغالب سكان تريم.
التحق حداد الكاف بعد ذلك للدراسة برباط تريم، فقرأ الفقه والنحو وغيرها من العلوم على يد شيخه العلامة عبدالله بن عمر الشاطري والشيخ العلامة أبي بكر بن محمد بن أحمد السري وتعلم الخط والإملاء على يد الشيخ العلامة محمد بن عوض بافضل، «حيث كان المذكور من أصدقاء والده وخواصه والملازمين له»، بالإضافة إلى شيوخ علم أجلاء أمثال: علوي بن عبدالله بن شهاب الدين والإمام عبدالله بن عيدروس العيدروس والعلامة علي بن عبدالرحمن المشهور والمحدث محمد بن سالم السري والإمام علوي بن عبدالرحمن المشهور وغيرهم.
حداد الكاف يصقل موهبته بتعليم العزف:
ورد في الكتاب السالف الذاكر (صـ 30) أن «حداد بن حسن الكاف الشاعر المثقف لم يركن إلى الموهبة في الموسيقى، فصقلها بالعزف واستهلها بالعزف على العود والكمان، وذلك بغرض تطوير مداركه الحسية في الفن والموسيقى، وتعرف في حوطة أحمد بن زين على العلامة عمر بن عبدالله الحبشي وهو رجل وقور وشيخ من شيوخ العلم والفن وكون معه صداقة متينة إلى أن توفي الشيخ العلامة، وقد استوفد من مدينة عدن الفنان عمر غابة ليعلمه فنون آلة الكمان، كما كانت له علاقة وطيدة بالمطرب العازف عبدالقادر ابن حسين الكاف، بهذا الصدد قال الأستاذ محمد عبدالقادر بامطرف:«وكان حداد يجيد العزف على آلتي العود والكمنجة» (مرجع سابق- صـ 30).
حداد الكاف ذاته في شعره وألحانه:
يفيد جيلاني الكاف (مرجع سابق - صـ77) أن «هناك قصائد لحداد حسن الكاف تنفرد بألحان خاصة، فإبداعه في الشعر الغنائي يلتقي مع أبداعه في الموسيقى وهما أبرز أضلاع المثلث في الأغنية، لأنه هو مصدر الشعر واللحن معا». ويورد جيلاني:«وقد أكد لي الشاعر والملحن عبدالقادر محمد الكاف عندما سألته عن ألحان حداد أن كل لحن لم يكتب عليه شاعر غير حداد فهو بالتأكيد لحداد بن حسن، لأن أحدا لم يسمع به إلا من خلال أشعار حداد».
من تلك الألحان: لحن أبيات أغنية: (ردده ردة بردة مغناك يابا سعيدة) و(يارب سالك تخلي سرنا مكتوم) و(قال الفتى ريت لي تمناه) و(لا تلومون من قلبه في العشق مقطوب) و(عسى خير يأتي من ثمود) و(نسنس على الصوت ياعاشور) و(حيا ليالي جميلة) و(ذا فعل نظمه في السمر وأحكام) و(ياليلة النور نسنس لا تحاذر) و(يالهوى عشقك بقانون) و(قال بن هاشم العشقة ملقت مباني) و(بسألك ياعاشور عن حال البلد).
حصر آخر على ذمة مصادر مقربة إلى حداد الكاف:
بعد رجوع جيلاني الحداد (مصدر سابق صـ80) إلى أولاد الشاعر والملحن حداد بن حسن وأحفاده لاستطلاع تفاصيل القصائد المغناة لعميد أسرتهم فقد جاءت الحصيلة على النحو التالي :(الخبر مقبل بخت من حل فيش ياسيئون) و(القلب في كلفه وفي محنة) و(بسالك ياعاشور عن حال البلد) و(حيا ليالي جميلة) و(خرج فصل طاب الأنس في دار أبو علوي) و(ذا فصل نظمه في السمر وأحكام) و(راقب الله ياذا الضنين) و(شل صوتك واحكم المغنى) و(شل ياعوض فاضل وحكم في المشل) و( طاب السمر قل دان يابن زين) و(عاشور نسمنا تفضل ضاق قلبي واعتصر) و(عشقة الخرد) و( قال ابن الأشراف عشق الغير يتعب جم) و(قال الفتى المشتاق صوت ألوان ذكرنا) و(قال الفتى ريت لي تمناه) و(قال الفتى غن باتغزل) و(قال بن هاشم سمع قولي منهم) و(قال ابن هاشم العشقة ملقت مباني) و( كريم يا حولاه والشارة سرت) (لا تلومون من قلبه في العشق مقطوب) و(لا عند من بشكي خفاف الروح) و(مسكين مسكين قلبي حنب يتبع قفا) و(من صميم القلب لحبيبي سلام) و(هوى جبل باتوا مفرط كالجبال) و(وبلغ سلامي يانسيم السحر) و(يا حسين النظر في طلابك) و(ياليلة النور نسنس لاتحاذر) و(يارب سالك تخلي سرنا مكتوم) و(يالهلالي حي صباحك وحي مساك) و(يقول ابن هاشم بكت لعيان دم وامتن قلبي).
في ذكر رحيله السابع والعشرين:
وفي منتدى حداد بن حسن الكاف الذي أقيم في فناء بيته بعيديد بتاريخ 2 يونيو، 1996 بمناسبة ذكرى رحيله الـ(27) وعلى هامش مهرجان سيئون غنى سالم حداد الكاف أغنيتين من كلمات وألحان والده هما:( كريم ياحولاه والشارة سرت) و(كما مجنون من فارق حبيبه).. وفي ذلك المنتدى ذكر الأستاذ جعفر محمد السقاف أن أول أغنية قام حداد بن حسن الكاف بتأليفها شعرا ولحنا هي أغنية (عيني تشوف الخضيرة في كل وادي خصيب) التي تألق في تقديمها الفنان أبوبكر سالم بلفقيه وهو من أبناء تريم.
حداد الكاف في ميزان بامطرف:
أورد جيلاني الكاف (مرجع سابق - صـ20):«وأشار الأستاذ محمد عبدالقادر بامطرف في كتاب (شاعر الغزل حداد بن حسن الكاف) إلى أن الحان الدان وأشعارها في وادي حضرموت كان يسيطر عليها عملاقان هما حداد بن حسن الكاف وسعيد مبارك مرزوق»، حيث قال الأستاذ بامطرف: «حينما انتقلت من المكلا للعمل في سيئون بوادي حضرموت عام 1946 وجدت أن أصوات الدان وأشعارها في الوادي كان يسيطر عليها اثنان من أساطين الشعر الشعبي وألحانه. وكان بقية الشعراء الشعبيين والملحنين يدورون في مدار هذين العملاقين بحكم التقليد والمنافسة أو الهواية أو لمجرد غرض التدرب على ارتجال نظم أبيات الدان والتزام وإتقان أشطره وقوافيه المتعددة والمتباينة أحيانا، وهي من من أصعب الأساليب في نظم الشعر المحلي، كان العملاق الأول: عمر بن حسن بن عبدالله الكاف الملقب (حداد) من أبناء مدينة تريم، وكان العملاق الثاني: سعيد مبارك مرزوق من مدينة سيئون.. وقد ظل هذان العملاقان متربعين على عرش ألحان الدان قرابة نصف قرن من الزمان إلى أن توفاهما الله».
حداد الكاف في ميزان جعفر السقاف:
أما الأستاذ جعفر محمد السقاف فقد ورد في إفادته (مرجع سابق - صـ 23): «صديقي الشاعر والملحن حداد الكاف الذي عرفته منذ نعومة أظفاره في الأربعينيات (من القرن الماضي) يعتبر بحق شاعرا وملحنا وعازفا فقد تميزت ألحانه، كونها نابعة من عاطفة جياشة مليئة بالحب ومرآة صادقة لحالات المحبين والعاشقين».
يضيف الأستاذ السقاف:«وفي ألحانه الأخيرة طور حداد ألحان الدان الحضرمي وخرج بها من دائرتها الضيقة القصيرة النفس المحدودة المصاريع لقوافي الشعر إلى أغاني طويلة النفس متعددة المصاريع ذات امتداد في الأداء وأحكام العضلات التي تهز المشاعر بأنغام صوتية». من ضمن أبيات رثى بها حداد بن حسن، قال الأستاذ جعفر السقاف:
يقول بو كاظم تكدر خاطري والنوم عل
من يوم قالوا لي أبو حامد عن الدنيا رحل
الشاعر السالي الملحن صدق نضرب به مثل
حداد الكاف في ميزان محفوظ باحشوان:
قال الشاعر والملحن محفوظ صالح باحشوان عن حداد بن حسن الكاف الملحن (جيلاني الكاف - مربع سابق - صـ 24): «يعتبر الشاعر الغنائي الفذ السيد حداد بن حسن الكاف من أعمدة الدان الحضرمي البارزين في اليمن شعرا ولحنا، وهو يتميز عن غيره بجملة من الخصوصيات والقدرات الهائلة التي مكنته من الارتقاء على سلم المجد، حيث تمكن من صيانة ألحان الدان على نحو أجمل وأرقى، لأنه عاش في وسط فني محاط بالعناية الفائقة من أبيه الشاعر الغنائي الكبير حسن بن عبدالله الكاف، إضافة لكونه تربى في مدينة تريم الغناء مدينة العلم والفنون الجميلة التي تكون في مد ذاتها دارا للموسيقى والألحان الشعبية الفلكلورية والدينية والمبتكرة التي تشبع بها عداد وصقلت مواهبه اللحنية...».
حداد الكاف في رحاب الخالدين:
انتقل حداد بن حسن الكاف إلى رحمة الله تعالى يوم الأحد 6 ربيع أول 1389هـ الموافق 2 يونيو، 1969 عن عمر ناهز الثانية والستين عاما أثناء زيارة قام بها إلى منطقة الهجرين بدوعن مع كوكبة من العلماء والدعاة إلى الله، ودفن رحمه الله في مقبرة (زنبل) بمدينة تريم.