على خلفية حذاء منتظر الذي هز العالم .. كيف لو طار الحذاء في اتجاه زعيم عربي؟!متابعات بلاريش>نجيب محمد يابلي:منتظر الزيدي عصف بالعالم شرقا وغربا بفردتي حذائه اللتين طالتا الرئيس الأمريكي جورج بوش أثناء المؤتمر الصحفي للرئيس بوش ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في بغداد من أوسع أبوابه.
ولو سألت مواطنا من الصين أو تشيلي أو نيجيريا أو السويد أو كندا من هو منتظر الزيدي؟ لأجابك على الفور: هو ذلك الشاب ذو التسعة والعشرين ربيعا الذي طيّر فردتي حذائه في اتجاه وجه الرئيس الأمريكي بوش. ولو وجهت سؤالا ثانيا للمواطنين أنفسهم عن اسم زعيم عربي أو غير عربي لأطبقوا صامتين وهزوا رؤوسهم يمينا وشمالا في إشارة إلى جهلهم بالاسم.
منتظر الزيدي من مواليد مدينة العمارة جنوب العراق عام 1979، تخرج في كلية الإعلام في بغداد، وهو حديث عهد بالصحافة، ولايتجاوز عمره الصحفي ثلاث سنوات، وهي فترة عمله في قناة (البغدادية)، وكان عضوا في حزب العمال الشيوعي العراقي الذي حل نفسه قبل سنتين ليندمج مع الحزب الشيوعي العراقي.
يتميز منتظر الزيدي بمزاجه الهادئ مع زملائه، ونقل عن أصدقائه أنه غطى الغارات الأمريكية على مدينة الصدر في وقت سابق من العام الحالي، وشاهد بأم عينيه كيف أصبح ذلك الحي الكبير الفقير يبابا، وزرعت تلك المشاهد الكارثية غصة في قلبه. وينقل عن أخيه ضرغام أنه كان يكره الغزو الأمريكي للعراق بقدر كراهيته الاحتلال المعنوي الإيراني لبلاده.
هذا الشاب الذي حرك العرب ووحدهم، كما أفادت صحيفة «نيويورك تايمز»، كتبت عنه صحيفة «واشنطن بوست» أن «الحذاء الطائر خلف بطلا في العالم العربي»، أما صحيفة «وول ستريت جورنال» فقد زفت التهاني للعراق، مضيفة «لقد أصبحت حقا بلدا حرا»، ودعت رئيس الوزراء العراقي إلى الإفراج عن الزيدي باعتباره مؤشرا على التحرير ورسالة لمنتقدي بوش في الغرب والعالم العربي. وكما أسلفنا، فإن هذا الشاب تعرض للضرب المبرح ثلاث مرات: مرة في سجن أبوغريب عندما ضربه الأمريكان بالأحذية، ورحلها ليكيل لرئيسهم بالمكيال نفسه، وفي الثانية اختطفته مجموعة من السنة لمدة ثلاثة أيام تعرض خلالها لضرب مبرح قبل الإفراج عنه، أما الثالثة والأخيرة فقد كانت على أيدي رجال الأمن العراقي بعيد قذفه الحذاء في وجه الرئيس بوش. والغريب والعجيب في الأمر أنه أفصح عن رغبته لإجراء لقاء مع بوش وضربه بالحذاء.
توقعت أن يشطح خيال عربي في هذا البلد أو ذاك ليتصور ماذا كان سيحدث لمن تسول له نفسه قذف أو تطيير حذائه صوب زعيم بلده؟ الشاعر الراحل نزار قباني لم يمجد أحدا مثلما مجد أطفال الحجارة الفلسطينيين أو أشاوس المقاتلين في جنوب لبنان، ولم يتحدث عن وطنه الكبير وهو محبط مثلما تحدث في (قرص الأسبرين)، فأنكره بالقول:
«لا/ ليس هذا وطني الكبير/..... لا/ليس هذا الوطن المصنوع من عشرين كانتونا/ ومن عشرين دكانا/ ومن عشرين صرافا/ وحلاقا/ وشرطيا/ وطبالا.. وراقصة/ يسمى وطني الكبير».
ويقول في مطلع قصيدته (التأشيرة):
«في مركز للأمن في إحدى البلاد النامية/ وقفت عند نقطة تفتيش/....
وقفت في الطابور/ كان الناس يأكلون اللب والترمس/ كانوا يطرحون البول مثل الماشية/ من عهد فرعون إلى أيامنا/ هناك دوما حاكم بأمره/ وأمه تبول فوق نفسها كالماشية».
هذا هو حال الإنسان كما يقول نزار في دولة (قمعستان)، وورد في السياق ضمن ما ورد توصيف لها، ومنه:
«ليس بها جرائد/ غير التي تطبعها مطابع السلطان/ عنوانها؟/ أخاف أن أبوح بالعنوان/ كل الذي أعرفه/ أن الذي يقوده الحظ إلى مدينتي/ يرحمه الرحمن».
اختزل الناقد الفلسطيني عبدالرحمن بسيسو عندما قال: «الألم الفلسطيني لم يعد مركزيا بسبب اتساع الألم العربي..».
إذن عرفنا ماذا سيكون مصير رامي الحذاء صوب وجه زعيمه!
الغريب - ولا غريب إلا الشيطان - أن كُتاب السلطان من المنتفعين بالملاليم وصفوا منتظر الزيدي بألفاظ ما أنزل الله بها من سلطان، ويريدون الظهور على أنهم ملكيون أكثر من الملك نفسه، لأن آخر رد فعل للرئيس الأمريكي بوش أنه سيكون أحد المدافعين عن الزيدي.
أود أن أقول لكتاب السلطان إذا كان حذاء الزيدي يخضع حاليا للمزايدة بملايين الدولارات فيالبؤس أقلامكم التي تزايد بالشتم والتجريح مقابل ملاليم ولا تهز حذاءاتكم شعرة لأحد، سواء أكان الزيدي أم «الأيام»، لأنكم تتكلمون في زير ولا يسمع صدى صوتكم سواكم، (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).