مستشفى الشحر: سرير أتوماتيك.. ومعاناة المواطنينعن «الأيام» أحمد عمر مدي :عند انعقاد الدورة الأولى لعام 2008م للمجلس المحلي لمحافظة حضرموت تحدث الأستاذ عبدالقادر علي هلال - وكان رئيساً للمجلس حينها ومحافظا لمحافظة حضرموت - عن المشاريع المنجزة في المحافظة خلال عام 2006م، والإنجازات العظيمة التي تحققت، ومن ضمنها مشروع مستشفى الشحر. وسألني سؤالا في إطار حديثه: كيف مستشفى الشحر يامدي؟ فأجبت عليه بعدم رضاي عنه، وأن به الكثير من العيوب! فقاطعني قائلاً: خاف الله.. فيه أجهزة وأسرة أوتماتيك!.. فتعالوا نعيش مع الحقائق الأتوماتيكية التي يعاني منها أهالي مديرية الشحر بحياتهم الصحية والعلاجية بمستشفى الشحر.
أول قضية عانى منها سكان مديرية الشحر توقف البعثة الطبية الروسية عن العمل بسبب عدم صرف رواتبهم لعدة أشهر، وترجع الأسباب إلى أنه تم الاتفاق مع الأطباء والممرضات الهنديات بعقد محلي بوساطة السلطة المحلية بالمحافظة ولم توف السلطة المحلية بالتزاماتها بصرف رواتب البعثة شهرياً، مما جعل الأطباء يضربون عن العمل كل شهر، وانتهت هذه المسرحية بعد أن فقد المستشفى أفضل اختصاصي لأمراض الأذن والأنف والحنجرة، حيث تعاقد مع مستشفى السلام ورفض الوعود الكاذبة التي استمرت فترة تزيد عن سنة كاملة.
توالت شكاوى المواطنين من تدني ورداءة الخدمات التي يقدمها المستشفى وازدادت المعاناة.. لم ينفع السرير الأوتماتيك ولا الجهاز الذي لم يحسن استخدامه ليقدم خدمة طبية متميزة للمواطنين، وأصبح المواطن ينظر إلى ذلك السرير والجهاز دون اكتراث وهو لم يرَ ملائكة الرحمة التي تستقبله وتراعي مرضه وظروفه حتى تقدم الخدمة العلاجية اللازمة له.. في ظل أن هذه الخدمة ليست مجانية بل يدفع المواطنون ابتداء من رسوم دخول العيادة مروراً بأجور الفحوصات الطبية والأشعة حتى قيمة الحقنة ثم قيمة العلاج مهما بلغت.
فذلك المواطن يأتون به محمولاً مريضاً بالقلب والطبيب المناوب غير موجود في المستشفى ويتصلون به وهو بعيادته الخاصة ويحاولون استدعاءه مرة وثانية وثالثة وهو غير مبال، وكل ذلك يجري والمريض يسمع ويرى ويعاني من مرضه يتلهف إلى وجود ملك الرحمة لينقذ حياته، ثم يأتي الطبيب في اللحظات الأخيرة بعد فوات الأوان ولما يقف على رأس المريض ينظر إليه المريض ويبصق في وجهه غير محتاج لخدمته، فقد فات الأوان ولفظ أنفاسه الأخيرة مودعاً حياة البؤس والشقاء.
كم حالة بعد الدوام الرسمي لم يجدوا لها طبيباً مناوباً، وإن سألوا عنه فهو في عيادته الخاصة.. كم حالة تأتي بعد الدوام الرسمي إلى المستشفى فلا تجد مناوب المختبر أو الصيدلية أو يكون نائماً، وبالتالي يستيقظ ويعطي للمريض دواء مخالفاً لما هو مسجل في وصفة الطبيب.
يوجد لدى المستشفى كادر طبي مكون من (18) طبيبا متخصصا نساء وولادة وتخدير وعظام وجراحة عامة وأطفال وأسنان، و(14) طبيبا وطبيبة عامة.
ولديه كادر فني متوسط وإداري عدد (272) موظفاً بين فنيي أشعة ومختبرات وصيادلة وممرضين من الذكور والإناث.. ولكن المواطن التواق إلى الرعاية المطلوبة التي يمكن أن تقدمها ملائكة الرحمة لم يجدها بمستشفى الشحر.
أغلب شكاوى المواطنين تتحدد في عدم وجود الطبيب المناوب بعد الدوام أو النوم ليلا من قبل المناوبين.. وهنا لا أحمل مسؤولية ذلك إدارة المستشفى، ولكن يجب علينا أولاً معرفة أسباب ذلك. كم هو الراتب الشهري للطبيب؟ وكم يتحصل الممرض أو الفني مقابل عمله كراتب شهري؟ ونقيسها أمام متطلبات الحياة اليومية في موجات ارتفاع الأسعار اليومية.. ومن الطبيعي أن دخل العامل لا يكفيه.
فيضطر الطبيب إلى العمل في عيادته الخاصة من الصباح حتى العاشرة ليلاً، وبعد إغلاق العيادة الخاصة يأتي إلى المستشفى وهو منهك وتعبان فيقضي وقت الليل للراحة والنوم، وهكذا بالنسبة للممرض أو الفني المناوب، فهو يقضي كل نهاره يعمل بعيادة خاصة وليله للنوم داخل المستشفى، وطبيعياً الإنسان له ساعات معينة للعمل والعطاء.. من يتحمل المسؤولية في هذه الحالة الموظف أم المدير أم الدولة التي أوصلت المواطن إلى هذا المستوى وجعلته يعيش فقيراً.. تعيساً.. متسولاً.. ذليلاً؟.. إلا أصحاب الأموال والنفوذ والمتسلطين على رقاب هذا الشعب المسكين.
أشار تقرير لجنة الخدمات للمجلس المحلي لمديرية الشحر بعد نزولهم إلى المستشفى بموجب قرار المجلس رقم (5) المتخذ في دورته المنعقدة بتاريخ 30/ 3/ 2008م إلى قضايا روتينية داخل المستشفى وهي حديث الشارع اليومي.
ولكن كان ينبغي للجنة أن تضع مخارج عملية لحل هذه القضايا، وكيف نرتقي بالخدمات الصحية للمواطن في ظل السرير والجهاز الأوتماتيك.. ثم إن هناك قضايا مهمة لم تتطرق لها اللجنة.
1- قسم الأشعة والمختبر يوجد فيهما يوميا عشرات المواطنين من الرجال والنساء، وكل هؤلاء يتزاحمون على حمامين.. حتى في البلاد غير الإسلامية يتم فصل حمامات الرجال عن النساء، فاين نحن من ذلك؟!
2- مئات من مواطني مديرية الشحر مصابون بمرض السكر لا يستلمون مخصصاتهم الشهرية من علاج (الأنسولين)، هل كلفت اللجنة نفسها للتعرف على الأسباب؟
3- أرضية المستشفى مساحتها الإجمالية (64700) مترمربع بموجب محضر تسليم رقم (9/2001) محرر بتاريخ 13/7/2001م بدلا عن وثيقة رقم (33352) تحدها شرقاً شارع ومدرسة البدو الرحل، وغرباً خط الرصعة سابقاً.
وبقدرة قادر وبتاريخ 30/7/2007م تحرر محضران في يوم واحد بتسليم داخل أرض المستشفى المحددة بالمحضر رقم (9/2001) أرضيتين باسم المجلس المحلي وباستلام مدير عام مديرية الشحر رئيس المجلس المحلي تحت مسمى (خدمات المستشفى) الأولى مساحتها (2160) مترا مربعا، والثانية مساحتها (3000) متر مربع، وفي عشية وضحاها انتصبت على تلك الأراضي عمارات لزيد وعبيد.. أين تقريركم منها يا لجنة الخدمات، وماهو نصيب المستشفى منها كخدمات؟
مستشفى الشحر يعاني الكثير من القضايا الفنية والإدارية، فهو يحتاج إلى وقفات جادة ومسؤولة أمام كل مشكلة، ووضع حلول جذرية تبدأ بحل مشكلة الطبيب القابع في عيادته الخاصة تاركاً مريض المستشفى للممرض، ومشكلة الممرض المناوب الذي يأتي منهكا من جهد نهار كامل في عيادة أو صيدلية خاصة.
نحن جميعاً ندرك كيف تم بناء هذا المستشفى، فهو بتخطيط عشوائي وفق أهواء المسؤولين ودعايات انتخابية للحزب الحاكم، فوضعه وتخطيطه لا يوحي أن يكون مستشفى.. فهو حالياً أصبح مزاراً لكل من يزور مدينة الشحر أكثر مما يقدم خدمات طبية وعلاجية.
أبناء مديرية الشحر يترقبون حلولا لعلاجات الأمراض المزمنة (السكر، ارتفاع ضغط الدم، السرطانات) وغيرها التي تكلفهم مبالغ باهظة شهرياً، وكان بالإمكان حلها من ريع تلك الأراضي التي صرفت خدمات للمستشفى وسلمت للمجلس المحلي، واستفاد منها زيد وعبيد لاستثمارها لا ندري لمصلحة من!!
الحلول السطحية لا تحل مشاكل المواطنين، ولكن المطلوب اجتثاث الفساد من منابعه، والعلاج يبدأ بإصلاح الرأس الخارب.
عضو المجلس المحلي لمحافظة حضرموت