بترول حضرموت.. أسطورة سلاطين وغواية شياطين

الرياض / تقرير سالم عمر مسهور | الأربعاء 07 نوفمبر 2012 03:43 مساءً


مقدمة:
الشجاع هو من يجرؤ على النظر إلى الشيطان في وجهه وإخباره بأنه شيطان - جيمس غارفيلد.
من أربعينيات القرن العشرين الماضي بشر محمد جمعه خان حضرموت الأرض والإنسان بأغنيته الشهيرة "يا حضرموت افرحي بترولنا بايجي"، هذه الأغنية جاءت بعد مجاعة حضرموت العظيمة، وبعد صلح قبائل حضرموت والسلاطين، وهذه الأغنية التي أرادت البشارة أصبحت مصدر تندر فلم تفرح حضرموت، برغم البترول وملايين من البراميل تذهب إلى غياهب حسابات بنوك سويسرا التابعة لغير أبناء حضرموت.
لمحة فيما قبل البترول.
أن الباحث في التاريخ السياسي الحضرمي لابد وأن يتوقف عند نقطة شديدة الغرابة والحساسية في تاريخ حضرموت السياسي ألا وهي "عدم وجود معاهدة حماية مباشرة بين بريطانيا والسلطنة الكثيرية" وهو أمر يحتاج إلى كثير من الدقة والتحري نظراً لأن بريطانيا العظمى كانت قد أبرمت مع كل الإمارات والمشيخات معاهدات الحماية في مختلف مناطق شبه الجزيرة العربية بما في ذلك مناطق جنوب شبه الجزيرة العربية، فأفول الإمبراطورية العثمانية كان هو الظاهر في الشرق الأوسط، لكن ما هو السر في عدم إبرام السلطنة الكثيرية لهكذا معاهدة كانت هي الضامن للوجود السياسي، وبرغم البحث والتدقيق في هذا الباب فأنه يبدو أن السلطنة الكثيرية تمسكت بشرعيتها القانونية المستمدة من علاقتها التاريخية مع الباب العالي في اسطنبول التي تعترف بشرعية حكم "السلطان بدر بو طويرق" التي امتدت إلى منطقة العوالق غربا وسيحوت شرقا والسواحل الجنوبية جنوبا والرمال شمالا. وقد كان حاكما متقشفا حازما شجاعا كريما وسياسيا بارعا. ولد سنة 1496م. اشتهر بطول مدة ولايته وحكمه وكان معاصرا للشيخ أبي بكر بن سالم بن عبد الله العلوي. وفي حروبه للاستيلاء على مناطق حضرموت تحالف السلطان بدر بوطويرق مع العثمانيين حيث أمده العثمانيين بجيش عام 1519م بقيادة شخص يسمى رجب التركي وكان ذلك أول ظهور للبنادق في حضرموت على أكتاف الجيش التركي وهو بندق "أبو فتيلة" ودخل بهم - بدر بوطويرق - شبام حيث قضى فيها على حكم آل محمد الشباميون واستولى على تريم من آل جردان وآل يماني وآل عمر سنة 1520م وهي أول سلطة لآل جعفر الكثيري بتريم، كما استولى في ذلك العام على منطقة هينن. وفي عام 1530م وبعد أن استتب له الأمر، أمر بان تضرب باسمه النقود الفضية من فئة الريال والنصف ريال والنقود النحاسية من فئة الربع وفي سنة 1535م اصدر عملة جديدة سميت "بقشة" وحتى اليوم ما زال بعض البدو في صحراء حضرموت يطلقون على اسم النقود "قش". واجه السلطان بدر في تلك الفترة ثورة قبائل الحموم ونهد إلا انه استطاع أن يخمدها مثلما خمد الكثير من ثورات القبائل الحضرمية. وفي عهده هاجم البرتغال منطقة الشحر بسفنهم سنة 1522م وسنة 1535م حيث أرسل بدر أبوطويرق خطابا لحكومة "الباب العالي" آنذاك وهي الإمبراطورية العثمانية في عهد سلطانها الأعظم "سليمان القانوني" وكان يستنجد به من البرتغاليين فلبى السلطان العثماني طلبه وأرسل له أسطولا من السفن البحرية وصلت إلى الشحر في 1538م ونجحت في ردع غزو البرتغاليين.

هذا السرد هو ضرورة لنصل إلى الفهم العقلاني لعدم وجود معاهدة حماية بين السلطنة الكثيرية وبريطانيا العظمى، بخلاف بقية السلطنات الحضرمية التي كانت قائمة قبل العام 1967م، غير أن السلطنة الكثيرية وبعد حصار غير معلن وضغوط بريطانية سياسية وعسكرية قبلت بحل وسط، حيث أبرمت مع السلطنة القعيطية معاهدة في العام 1918م قبلت بموجبها بما تضمنته معاهدة الحماية "البريطانية - القعيطية" وقبلت بوجود المستشار البريطاني والتزمت بكل ما تتضمنه معاهدة الحماية "البريطانية - القعيطية" وكان ذلك كما أسلفنا نتيجة ضغوط سياسية وعسكرية قاسية واجهتها السلطنة الكثيرية بعد فقدانها كثير من مساحتها "80% تقريباً" في صراعات مع القبائل التي كانت تدعمها السلطنة القعيطية المدعومة بريطانيا مما أدى في النهاية استنزاف الخزينة الكثيرية وتقلص النفوذ والضعف العام الذي أدى إلى خضوع الدولة الكثيرية لاتفاقية 1918م والتي مهدت لمعاهدة 1937م التاريخية.
البترول الحضرمي.. حقيقة سلطانية
يقول الكاتب المصري محمود الشرقاوي في كتابه جنوب الجزيرة العربية الصادر عام 1959م: "تهتم بريطانيا اهتماما كبيرا بجنوب الجزيرة العربية لأسباب عدة أهمها أن أعمال التنقيب والبحث الجيولوجي في هذه المناطق الجنوبية قد دلت على وجود آبار للبترول تجعلها في الرعيل الأول من البلاد التي تنتج البترول في العالم، بل إن البترول يكاد يطفو على سطح الأرض في منطقة شبوة، وهناك أيضا خمسة حقول غنية بالبترول في مناطق ثمود وحبروت، وزمخ التي تبعد عن منطقة العبر بنحو 100 كليومتر، ومنوخ التي تقع بين العبر وثمود، وبالساحل الفي منطقة حجر.
وتقوم بالبحث في هذه المناطق شركة البترول والتنقيب المحدودة، وهي شركة أمريكية إنجليزية، وقد أرسلت حكومة عدن وفدا برئاسة المستشار عبدالله السليمان العراقي الذي يعمل مستشارا في الشؤون البدوية للمستشار البريطاني ليقدم عرضا إلى شيخ قبيلة المناهيل التي تسكن منطقة ثمود، وهو عيظة بن طناف، ويقدر العرض بثلاثين ألف شلن، وذلك للبحث عن البترول، وكان العرض شبه إجباري، بيد أن عيظة بن طناف رفضه، وطالب بعقد اتفاقية تشبه الاتفاقيات بين شركات البترول وحكومات الخليج العربي.
ويهدف البريطانيون إلى احتلال بلدة الغيظة الواقعة على الساحل، والتي تبعد عن الشحر حوالي 140 كيلومترا لتكون مصبا للبترول".
وفي عام 1946 شوهدت فرق التنقيب عن النفط تجوب أنحاء اتحاد الجنوب العربي وقدوم آلات البحث والحفر ومعدات التنقيب، تحملها أرتال من السيارات، كذلك أقيمت المخيمات والمنشآت في أماكن محدودة، وقد تسربت تصريحات من عدد من المسئولين أشارت إلى وجود كميات كافية ومغرية من البترول في حضرموت والجنوب العربي، وكانت السلطات والشركات تعمل على تحويل ميناء الغيضة إلى محطة تصدير البترول الذي تقرر استخراجه من حضرموت، وقد شوهدت معدات البناء وأنابيب البترول في تلك المنطقة التي كانت على موعد بأن تتحول من قرية صغيرة إلى مدينة كبيرة، وكان حاكم عدن السير توم هيكنبوتم "1951-1956م" قد قدم في عام 1955 مشروعي اتفاقيتين للبترول إلى كل من سلطان لحج والسلطان القعيطي والسلطان الكثيري.
وبتاريخ 9 سبتمبر 1950 كان المستشار البريطاني في حضرموت وراء عقد اتفاقية جديدة بين السلطانين القعيطي والكثيري، وفي عام 1959 جاءت هذه الاتفاقية:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله.. وبعد فإنه:
1- بما أن شركة امتياز البترول المحدودة "فيما يلي تعرف بالشركة" ترغب بالحصول على رخصة التنقيب عن الزيوت المعدنية في منطقة الصحراء الشمالية، المتنازع عليها بين الدولتين القعيطية والكثيرية، الموضحة في الخريطة التي سترفق بالاتفاقية المزمع إبرامها بين الدولتين القعيطية والكثيرية من جهة والشركة من جهة أخرى "تعرف هذه المنطقة فيما يلي بالمنطقة المذكورة".
2- بما أن حكومتي صاحبي العظمة سلطان الدولة القعيطية وسلطان الدولة الكثيرية ترغبان بالتعاون للتصرف في الشؤون الناتجة عن طلب الشركة المشار إليه في الفقرة الأولى من هذه الاتفاقية.
3- وبما أن هذا التعاون بين الدولتين المذكورتين في هذه المنطقة لغرض التنقيب عن الزيوت المعدنية لا يوثر بحال من الأحوال على حقيقة ملكية كل من الدولتين في هذه المنطقة.
4- فقد تم الاتفاق الآن بين الدولتين القعيطية والكثيرية على:
أولا: أن جميع المبالغ التي تدفعها الشركة للدولتين المذكورتين مقابل الرخص والإيجارات والعوائد الجليلة والأرباح الناتجة عن عمليات الشركة في المنطقة المذكورة ستقتسم بنسبة الثلثين للدولة القعيطية والثلث للدولة الكثيرية.
ثانيا: وفي أي سنة تبلغ فيها هذه المبالغ خمسمائة ألف جنيه أو أكثر فللدولة الكثيرية - إذا رغبت - أن تدفع للدولة القعيطية مبلغا قدره خمسة وعشرون إلف جنيه سنويا، ومقابل ذلك لاتفرض الدولة القعيطية أية رسوم على البضائع الواردة عن طريق موانئ الدولة القعيطية الرئيسية المرسلة إلى الدولة الكثيرية عبر الدولة القعيطية أو الواردة رأسا إلى المناطق الكثيرية، ماعدا ما اقتضاه نظام الترانسيت من خدمات.
إن هذا الإعفاء لايسري على الواردات الكثيرية إلى الدولة القعيطية أو على البضائع المرسلة من الدولة القعيطية إلى خارج الدولة الكثيرية، كما أن الدولة الكثيرية لن تفرض أية رسوم على البضائع القعيطية المارة عبر الدولة الكثيرية إلى مناطق الدولة القعيطية.
ثالثا: تقام هيئة مشتركة تعرف بهيئة شؤون الزيت وشؤون المنطقة المشار إليها في الفقرة الأولى من هذه الاتفاقية.
وتتألف من عضو يعينه السلطان القعيطي وعضو يعينه السلطان الكثيري، ويتم تعيين هذين العضوين كل في مجلس دولته، أما تحديد اختصاصهما فيتم من قبل السلطانين المذكورين في مجلس دولة مشترك للدولتين القعيطية والكثيرية، وللدولتين عندما تريان ذلك مناسبا أن تقررا من الخطوات ما يكفل قيام هذه الهيئة بما عهد ويعهد إليها من واجبات تجاه الشركة، وفي المنطقة المذكورة.
عظمة السلطان الكثيري
عن عظمة السلطان القعيطي
حسين بن علي الكثيري "عن السلطان الكثيري"
جهان خان "عن السلطان القعيطي"
التاريخ 5 ربيع الأول 1371 هـ الموافق 1959/9/9م، ومقابل هذه الاتفاقية طرحت عدت تصورات حول حقوق شعب حضرموت في هذه الثروة وهي:
1- استخدام موظفين وعمال من جنوب الجزيرة وسائر الأقطار العربية، وتراعى النسب الآتية:
أ‌. لا يقل عدد الموظفين والعمال في داخل حضرموت والجنوب العربي بما فيها منطقة الامتياز عن 70%.
ب. لا يقل عدد الموظفين والعمال خارج حضرموت والجنوب العربي وفي معامل تكرير البترول التابعة للشركة في البلاد العربية عن 30%.
ج. يتمتع الموظفون والعمال الفنيون الوطنيون، علاوة على ما سبق، بجميع الحقوق التي يتمتع بها موظفو الشركة الأجانب الذين لهم نفس المؤهلات والمستويات، بما في ذلك منح تذاكر السفر والإجازات، وكذا شراء الحاجيات من مستودعات الشركة التي تباع بأسعار مخفضة، وغير ذلك من حقوق الموظفين.
د. على الشركة - بعد التفاهم مع الحكومتين - إعداد برنامج لتدريب الموظفين والعمال على جميع مراحل صناعة البترول وإيفاد المتفوقين إلى الخارج لإكمال دراستهم العالية.
2- على الشركة أن تحضر ما لا يقل عن آلتي حفر تعملان بصورة متواصلة، وأن تأخذ الاحتياطات اللازمة الفنية لحفظ الغاز وغيرها من الضياع، وأن تأخذ التدابير اللازمة للطوارئ كالحريق وغيرها، وفق أحدث الطرق المتبعة.
3- "أ" عندما يبلغ إنتاج الزيت 30.000 برميل يوميا عيار كل برميل 42 جالونا، ويستمر ذلك لمدة 30 يوما، يلزم على الشركة إنشاء معمل لتكرير البترول ومشتقاته خلال عامين في داخل منطقة الامتياز، يستوعب 15% من مجموع البترول المستخرج.
"ب" وإذا بلغ الإنتاج 75.000 برميل يوميا، واستمر ذلك لمدة 60 يوما، يلزم على الشركة التوسع بإنشاء معمل أو معامل تكفي لتكرير 15% من مجموع البترول المستخرج.
4- يجب أن يقيم المدير أو المديرون للشركة، وكذا جميع السجلات والدفاتر وحسابات الشركة في داخل حضرموت، بما في ذلك منطقة الامتياز، وتعتبر المركز الرئيسي للشركة.
5- عندما يستمر الإنتاج المذكور في المادة 3 الفقرة "ب" ويستخرج لمدة أربع سنوات تتخلى الشركة بصورة آلية عن 20% من مجموع مساحة الأرض التي منح الامتياز فيها.
6- على الشركة أن تكيل وتقيس البترول ومشتقاته بالمكاييل والمقاييس الدقيقة المعتادة لدى الشركات العالمية للبترول، وإذا رأت الشركة أن تبدل مكيالا أو ميزانا فعليها إشعار ممثلي الحكومتين قبل مدة لا تقل عن 30 يوما، وفي جميع مراحل الوزن والكيل لابد من حضور ممثلي الحكومتين.
7- "أ" عند بيع الشركة منتجاتها في حضرموت والجنوب العربي تعطى الأسبقية للشركات والأفراد الوطنيين لبيع المنتجات بأسعار المثل.
"ب" إذا لم تكف وسائل النقل التابعة للشركة لنقل البترول وغيره فعليها نقل الفائض عبر شركات النقل الوطنية.
8- تلتزم الحكومتان بحفظ الأمن لرجال الشركة وممتلكاتها ومعداتها داخل منطقة الامتياز وخارجها بتشكيل قوة بوليسية مشتركة توزع على المراكز والمخافر والمطارات والمحطات والأنابيب وغيرها، وعلى الشركة إنشاء المخافر والمراكز والسكن اللازم لسكن رجال الأمن والموظفين، وكذا على الشركة تقديم رواتبهم ومعاشاتهم المعتادة لمثلهم بدفع ذلك وغير ذلك، وبواسطتها تدفع الرواتب ويرقى الضباط وغير ذلك من شؤونهم العامة والخاصة.
9- "أ" ممنوع على الشركة وموظفيها التدخل بأي صورة مباشرة أو غير مباشرة في الشؤون السياسية للحكومتين.
"ب" ممنوع على الشركة وموظفيها استيراد الأسلحة أو حيازتها، على أنه في الحالات الفردية وبعد تقديم طلب كتابي إلى ممثلي الدولتين يمكن السماح باستعمال مسدس أو بندقية لطالبه إذا اقتنع بوجاهة الطلب، ويجوز رفض الطلب بدون إبداء أي سبب.
10- "أ" لايجوز للشركة ولا لموظفيها القيام بأي نشاط أو دعاية دينية تبشيرية أو مذهبية أو سياسية.
"ب" تخضع المدارس والمعاهد التي تقيمها الشركة لإشراف مديرية معارف الدولتين.
"ج" تحديد التواريخ وكل مدة الزمن المذكورة في هذه الاتفاقية بحسب التقويم الشمسي.
11- عند حدوث ظروف استثنائية بما في ذلك نشوب الحرب أو حدوث نقص في إنتاج البترول ومشتقاته، فللحكومتين الحق في الاستيلاء على البترول لسد حاجة البلاد، وعلى الحكومتين التعويض الكامل للشركة.
12- على الشركة أن ترفع علمي الدولتين في دوائرها ومراكزها ومطاراتها بصورة دائمة.
13- "أ" للشركة الحق إذا رغبت في التنازل عن حقوقها أو امتيازاتها، ولكن ليس لها المطالبة بأي تعويض، كما لا يجوز أن تقوم بنقل أو إتلاف أي جهاز أو بناية أو خزان مما أحضرته أو صنعته، وهي المسئولة عن حدوث أي ضرر مقصود وعليها التعويض الكامل، وعليها إشعار الحكومتين قبل 60 يوما في حالة التخلي عن الامتياز.
"ب" إذا وصل الإنتاج إلى الدرجة التجارية المذكورة في المادة 3 الفقرة "ب" فللحكومتين - إذا رغبتا - أن تحصلا على 16% من الزيت المستخرج ومشتقاته، عينا ويلزم تسليم ذلك على ظهر الباخرة "فوب" في أحد موانئ حضرموت، كما يلزم تسليم الإسفلت، ويكون معبأ في البراميل أو أوعية أخرى يتفق عليها في ميناء حضرمي تعينه الدولتان.
18- إذا حدث إشكال في تغيير مادة أو بند بين الشركة والحكومتين ولم يتفق عليه يحال النزاع إلى أربعة محكمين، تختار الشركة اثنين وتختار الحكومتان اثنين خلال 60 يوما، ويكون ذلك داخل حضرموت، وإذا لم يتفق الطرفان يحال النزاع خلال 120 يوما إلى محكمة العدل الدولية، وما تصدره يلتزم الطرفان بقبوله.
عبقرية عبدالعزيز ووطنية السلاطين
لابد لنا وأن نستحضر شخصية الملك عبدالعزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية في هذا السياق، ففي ذات التوقيت التاريخي الذي كانت فيه بريطانيا العظمى توقع مع السلطنات الحضرمية معاهداتها النفطية كان الملك عبدالعزيز يبرم مع الولايات المتحدة الأمريكية معاهدات استخراج النفط من شرق البلاد السعودية، ولعل أهم التساؤلات في هذا السياق تضعنا أمام سؤال عريض "لماذا ابرم الملك السعودي معاهدات النفط مع الأمريكيين ولم يبرمها مع البريطانيين ؟" سؤال تكمن الإجابة عنه في أن عبقرية الملك السعودي وعندما التقى الرئيس الأمريكي روزفلت على ظهر المدمرة الاميركية «كوينسي» كان يدرك بأن عليه أن لا يثق بالبريطانيين الذين عقدوا الكثير من الاتفاقيات رغم ان وضعهم في الهند التي تحدد مكانتهم الاقتصادية كان يتوجه إلى هزيمة بريطانية، وأن الأمريكيين يحملون قدراً أكبر من الجدية في التحالف لأنهم قوة حديثة وصاعدة، المبدأ يكمن في المصلحة العليا ولا يكمن أبداً فيمن يمنح الشرعية السياسية، هذه العبقرية في التفكير السياسي أمدت الملك السعودي بالحكمة حيث أنه ابرم الاتفاق الصحيح مع الطرف الصحيح.
السلاطين الحضارمة كانوا وطنين مخلصين، هذا ما تؤكده القراءات التاريخية السياسية جميعها، بل لا يجوز إطلاقاً وصفهم بأي أوصاف تنتزع ولاءهم إلى حضرموت وعملهم من أجل مصلحة وطنهم، هذه القناعة ليست في سياق تسويق ما.. بقدر ما هي قطع طريق على من يبحثون عن انتقاص لهم، فلقد كانت حضرموت في فترة الخمسينيات الميلادية من القرن العشرين تعيش في حراك سياسي مدفوع ناحية الرغبة الجامحة للوحدة الحضرمية الجامعة بين السلطنات الحضرمية، هذا الفكر هو الذي دفع بكل من سلطاني الدولة القعيطية والكثيرية إلى رفض الانضمام لاتحاد الجنوب العربي، فمعاهدة النفط المشتركة مع بريطانيا كانت دليل على هذا التوجه كما كانت أحد أهم الدوافع ناحية الوحدة الحضرمية ودمج سلطنتي "الواحدي والمهرة - غيضة بدر" لهذه الوحدة السياسية التي كانت على وعد باستقلالها في التاسع من يناير 1968م.
ولا نشك إطلاقاً بصلاح نوايا السلاطين، فلقد شكلت عودتهم إلى البلاد الحضرمية بعد اجتماعهم مع لجنة تصفية الاستعمار إرادة تحرير حضرموت وإطلاقها في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، صلاح النوايا وسلامتها عند السلاطين الحضارمة قابله خبث النوايا عند البريطانيين الذين كانوا قد عقدوا اتفاقية الخيانة العظمى مع الجبهة القومية في جنوب اليمن، فحضرموت التي حرص سلاطينها على أن تتجنب الدخول في اتحاد الجنوب العربي كانت تستعد فعلياً لازدهار وتنمية كبرى، فكل المؤشرات والدلالات كانت تشير إلى أن البلاد الحضرمية مقبلة على مرحلة ليس فيها للصراعات السياسية موضع قدم، فالجنوب العربي كان أيضاً سيحصل على اتحاده الخاص بموجب مقررات هيئة الأمم المتحدة بل سيحظى بتعويضات ملزمة بواقع "ستين مليار جنيه إسترليني" يدفعها التاج البريطاني عن استعمار مدينة عدن 128 عاماً.
بترولنا الحضرمي.. يماني
كعصير يماني، وبسكويت يماني، وحليب يماني.. بترول حضرموت أيضاً يماني، فلقد أنجز الرفاق في الثلاثين من نوفمبر 1967م مهمتهم التاريخية الأكثر غباءً وحماقةً وجهلاً وضمت حضرموت قسراً إلى الكيان اليمني ومهما كان هو شمالي أو جنوبي، فالجريمة قد وقعت وحضرموت يمانية، وأعاد الرفاق التنقيب ليس عن النفط والثروة بل عن الدم والقتل والسفك والسحل والتأميم والنهب، فعلى مدار ثلاثة وعشرين عاماً عمل الرفاق على طمس كل ما يمت إلى حضرموت بصلة، والرفاق كانوا لا يدركون أنهم ينفذون اجندة يمانية ترغب في تجير كل ما هو حضرمي إلى اليمن، فأصبح ابن خلدون يمانياً، ووائل بن حجر - رضي الله عنه - يمانياً، وميراث أمّة الحضارم في الشرق الأقصى يمانياً، وميراثهم في بلاد الأندلس يمانياً، وكل ما هو حضرمي ألغي عندما ألغيت حضرموت وسميت بالمحافظة الخامسة وجرّم الحضرمي بانتمائه إلى موطنه.
لقد جاء في موقع صحيفة «المكلا اليوم» بتاريخ 2012/10/21م خبر يقول أن "أربعمائة مليار دولار إجمالي أسعار النفط المنهوب من حقول حضرموت وشبوة منذ اجتياح الجنوب 94م"، هل يمكن أن نتجاوز هذه الجريمة ؟ تساؤل لا يمكننا القفز عنه تحت أي مبرر كان، فإذا كان هذا المنهوب بهذه القيمة فنحن أمام واقع آخر يقول أن لا انفكاك من اليمن ومن المجرمين فيه، واقع الحال بالفعل أكثر بؤساً من أن تصفه كلمات.

منقول