الأسعاء
المـديـر العـــام
عدد الرسائل : 1199
المزاج : احترام قوانيين المنتدى
تاريخ التسجيل : 28/03/2008
 | | إلى دول الجوار والعالم .. دولة الوحدة والدولة المنشودة في جنوب اليمن | |
 الأسعاء > بقلم: رائد الجحافي:
كثيرة هي المؤتمرات والندوات والاجتماعات التي عقدتها وتعقدها دول المنظومة العربية والدولية بخصوص تدارس جملة من القضايا والمشاكل اليمنية ومنها بالذات المشاكل التي تسهم اليمن في إنتاجها وتصديرها خارج حدودها، ففي هذه الدولة القائمة في اليمن( الدولة الموحدة) ظلت دول الجوار وكثير من دول العالم تقدم دعمها اللا محدود لليمن التي حظيت دون غيرها من دول الشرق الأوسط باهتمام كبير من كبرى الدول الأوروبية والأسيوية والأمريكية بالإضافة إلى اهتمام دول الجوار بها ومساعدتها في بناء دولة جديرة بخلق توازن واستقرار سياسي واقتصادي داخلي لتنعم دول المنطقة العربية بالأمن والاستقرار، وعلى الرغم من هذا الدعم المفرط إلاّ أن صنعاء -التي اعتادت على مد يدها للآخرين - وجدت من المتناقضات والنزاعات السياسية العربية والإقليمية مصدر رئيسي لأموال طائلة لم تذهب على الإطلاق لصالح هذا البلد بقدر ما ساعدت مثل هذه الأموال وعائدات الثروات المحلية على نشؤ عصابات أضحت تتحكم بسلطة القرار السياسي وتؤثر عليه وأخذت تلعب بأوراق ذات العلاقة بالمتغيرات الخارجية، وتحت مزاعم القضاء على الشيوعية في الجنوب استطاعت صنعاء أن توجد لها خيوط قويه مع بعض الأنظمة العربية الإسلامية، ومع الجماعات الدينية المتطرفة، وكانت هذه الورقة تعد امتدادا لورقة التعاون السابق بين اليمن والولايات المتحدة أبان الحرب الباردة إذ حين ساهمت اليمن في تجنيد مئات الشباب وإرسالهم إلى أفغانستان للحرب ضد السوفييت، عندها قوية العلاقة بين شخصيات هامة في سلطة صنعاء وتلك الجماعات المتطرفة التي شاركت إلى جانب صنعاء في الحرب على جنوب اليمن عام 1994 م ، وإخراج الجنوبيين من مراكز القوى في السلطة العسكرية والمدنية بل والسياسية وغيرها،وبعد حرب صيف 1994م ضد الجنوب رأت صنعاء التي خرجت من تلك الحرب منتقمة من بعض دول الجوار كالسعودية وغيرها بحجة وقوف تلك الدول إلى جانب الجنوب، رأت أن تعد العدة لتوجيه ضربتها على تلك الدول ووجدت أن الفرصة مناسبة للعب بورقة الصراعات المذهبية (السنة – الشيعة) باعتبار أن السعودية هي الداعم والممثل الرئيسي للسنة وبطريقة غير مباشرة عملت على دعم وتشجيع بروز ما يسمى بالشباب المؤمن في صعدة منطلقة من الحدود الفاصلة بين اليمن والسعودية، وبينما اشتد عود هذه الجماعة الشيعية أضحى الأمر أكثر تعقيداً في اختلال التوازن الداخلي للمعادلة السياسية اليمنية نفسها أمام وجود قوة سنية في اليمن تتمثل تلك القوة بتيار الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح) وعناصر الجهاد الإسلامي الذين باتوا يتمتعون بقوة كبيرة لتغلغل جذورهم داخل مفاصل السلطة، ونتج عن ذلك صراع خفي يجري خلف الكواليس، فكان على صنعاء الخروج من هذا المأزق وسعت للاستفادة منه وتحقيق مكاسب لها، ووجدت من نشاط حسين الحوثي في مران بصعدة حجة لاختلاق حرب تحاول من خلالها إبراز الصراع السني الشيعي ليس في اليمن فحسب بل في المنطقة العربية، والتسويق للنزاع الإقليمي العربي بين السعودية وإيران، بهدف ابتزاز السعودية وتحقيق مكاسب سياسية جديدة لها ، فأعلنت الحرب على الحوثي وطال أمدها حتى خرجت الحرب عن سيطرتها وجاءت خارج حساباتها، أما بالنسبة للورقة الأخرى فتمثلت بورقة الإرهاب فمنذ ما بعد أحداث الـ 11 من سبتمبر وما سبقتها من عمليات إرهابية استهدفت المصالح الأمريكية والغربية في اليمن كتفجير البارجة الأمريكية يو اس اس كول في سواحل عدن، استشعرت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها دول الجوار خطورة الانتشار الواسع لعناصر القاعدة في اليمن باعتبارها من أكثر مناطق العالم بعد أفغانستان وباكستان من حيث تواجد تلك العناصر المتطرفة، وكان لابد من استهدافها (اليمن) لولا مبادرة صنعاء بالتعاون مع أمريكا بالحرب ضد الإرهاب، فعدلت صنعاء عن تشددها تجاه اليمن ورأت أن تدعمها وفتحت عليها أبواب الدعم السخي بل وأسهمت الولايات المتحدة وإلى حد كبير في حث وتشجيع دول الجوار والدول الأجنبية إلى دعم اليمن اقتصاديا وسياسياً، لكن اليمن لم يكن في مستوى ذلك الدعم، وظل تعاونه سطحياً إلى حد بعيد، ولعل الولايات المتحدة قدرت موقف اليمن الذي كان ولا يزال يعلل غياب جديته في التعامل مع ملف الإرهاب من منطلق مخاوفه من امتلاك بعض تلك العناصر لقوى اجتماعية وقبائل وقاعدة شعبية خصوصاً في الشمال، حتى أن الجهود المبذولة من الولايات المتحدة والدول المانحة في سبيل تحقيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية لخلق شريك قوي يمكنه من فرض سلطة القانون على كامل أجزاء الدولة اليمنية باءت جميعها بالفشل، كما فشلت بالأمس واليوم في إصلاح الوضع اليمني المتداعي وخلال ست سنوات من حرب صنعاء على الحوثي في صعده ضف إلى ذلك الفساد المتفشي والاعتماد على سلطة القبيلة في السيطرة على مناطق اليمن، كما عززت احتمالات الانهيار الوشيك لنظام صنعاء الذي فقد سيطرته الكاملة على المياه الإقليمية في البحرين العربي والأحمر ليخسر هيمنته الكاملة على مضيق باب المندب الاستراتيجي، من جانبها السياحة والاستثمار كانت فرص سانحة لازدهار اليمن تلاشت هي الأخرى أمام الوضع الأمني والاقتصادي المتدهورين وأمام غياب سلطة القانون واستقلالية القضاء مع تسيد قوى الفساد الذي أصبح يشكل ويحوي أهم رموز السلطة اليمنية، وغيرها من الأمور والأشياء الكثيرة المتعددة وصلت باليمن إلى دولة هشة فشلت في إدارة البلاد فشلاً ذريعاً ولم تفلح محاولات الإسعاف المكثفة لإنقاذه من هاوية السقوط، ليصبح العالم برمته اليوم أمام هذا الكيان المريض المتهالك والذي ينذر بالفعل إلى فقدان صنعاء لسيطرتها على كافة مناطق البلاد، وفي حال استمرار الوضع الراهن الذي لم يؤد إلى سقوط الدولة نهائياً بقدر ما سيؤدي لا محالة إلى بروز أكثر من فرقة إرهابية ومراكز آمنه لتفريخ الإرهاب وتصديره إلى خارج اليمن، لكن أمام دول الجوار والإقليم والعالم تبقى فرصة واحدة إن هي تعاملت معها بجدية فإنها ستجد المخرج الحقيقي لواحدة من أهم المشاكل الراهنة والمستقبلية، هذه الفرصة تتمثل بالضغط على صنعاء لإخلاء سبيل الجنوب والاعتراف به كدولة بذاتها وإذا ما تم بالفعل فان تقلص المساحة الجغرافية لليمن (الشمالي) الذي سيعود إلى كيانه الجغرافي السابق قبل الوحدة والذي لا يمثل سوى ثلث مساحة الدولة القائمة، عندها سيمكن أي نظام سياسي من السيطرة على مفاصل الدولة المزدحمة بالسكان عندها ستتمكن من حلحلة مشاكلها بسهولة .
فيما ستكون الدولة الناشئة في الجنوب عبارة عن دولة من خلال ما تمتلكها من ثروات ستتمكن من السيطرة على أوضاعها الداخلية وتحقيق استقرار سياسي وامني داخلي، ضف إلى ذلك ستساعدها الكثير من المقومات والعوامل القائمة على الإرث الاجتماعي والثقافي لشعب هذه الدولة من بناء دولة مدنية يسود فيها القانون وسيصعب نشؤ أي خلايا إرهابية فيها، ضف إلى ذلك إن الدولة المنشودة في الجنوب ستكون دولة قائمة على احترام حقوق الإنسان واحترام العلاقة مع دول الجوار ودول العالم والتقيد بكافة المواثيق والمعاهدات الدولية التي من شأنها تعزيز أواصر العلاقات الدولية الداعية للسلام ونبذ العنف والتطرف بكافة أشكاله، فالجنوب كان ولا يزال عبارة عن شعب مسالم متمدن لا وجود فيه للمدارس الدينية المتشددة ولا للمذهبية، كما لا يوجد أي ارث ديني متطرف بين أوساطه على الإطلاق حتى إن التأثير الاشتراكي المتعصب الذي كان قد بداء يتغلغل بين أوساط النخبة السياسية في الجنوب في ثمانينيات القرن المنصرم قد تلاشت نهائياً خلال عشرين عاما بعد إعلان الوحدة اليمنية في العام 1990م، وإذا ما نضرنا إلى واقع النخبة في الجنوب وقناعات الشعب الجنوبي والقوى المؤثرة فيه سواء كانت من قوى الحراك الجنوبي أو غيره فأننا تصور ملامح الدولة المنشودة إقامتها فيه ستكون عبارة عن برامج لبناء دولة مثالية تقوم وقف قناعات وإجماع كبير من كافة فرقا العمل السياسي مثل هذه القناعات تكونت من تجربة طويلة تعود إلى السنوات الواقعة منذ ما بعد الاستقلال عام 1967م وحتى يومنا هذا باعتبار أن الجميع أدركوا تماماً أخطاء الماضي واستفادوا منها، حيث تمخض كل هذا في التصالح والتسامح الجنوبي الذي جمع الجنوبيين بمختلف مشا ربهم داخل بوتقة واحدة اجمعوا خلالها على ضرورة تحقيق هدف استعادة وطنهم، وعليه ستكون الدولة المنشودة دولة تقوم على الاعتدال السياسي لا وجود للمناطقية فيها على الإطلاق باعتبار أن مفاهيم العصبية القبلية والمناطقية قد قضي عليها أبان الاستعمار البريطاني لجنوب اليمن طيلة 129عاماً وكذلك خلال مرحلة الحكم الاشتراكي للجنوب منذ تحقيق استقلاله عام 1967م وحتى العام 1990م، كما أن العلاقات التي ستقوم بين هذه الدولة ((الجنوب)) ودول المنطقة والجوار ستكون علاقات متينة تقوم على حسن الجوار وتبادل المصالح، تعزز هذه العلاقة المكانة الكبيرة التي يتجمع بها آلاف الجنوبيين وخصوصاً الحضارم المتواجدين في دول الجوار كالسعودية والإمارات والكويت وغيرها لكون مثل هذه الشخصيات تحظى باحترام في هذه الدول التي يتمتع هؤلاء بتقدير بالغ فيها ويسهمون في اقتصادها الوطني من خلال استثماراتهم الواسعة والكبيرة فيها، ايضاً هؤلاء يتمتعون باحترام ومكانة كبيرة عند شعب الجنوب، فأنهم بكل تأكيد سيلعبون أدواراً كبيرة في تعزيز العلاقات، كما أن هذه الدولة المنشودة ستستطيع من خلال ما تمتلكه من مقومات مادية وبشرية وارث ثقافي وعسكري وغيره من تحقيق الاستقرار والسلام في الممرات الدولية القريبة أو الواقعة في مياهها الإقليمية والمتآخمة لمنطقة خليج عدن، لكون الحراك السلمي الجنوبي - الحامل السياسي الرئيسي للقضية الجنوبية - ينص برنامجه السياسي على أن مضيق باب المندب سيكون عبارة عن ممر دولي عام للملاحة الدولية ولا وصاية لأية دولة عليه سوى ما سيكون للجنوب من حق الحماية وتأمين الطريق، واياً من الدول التي ستتطوع لهذه المسالة، وبموجب اتفاقيات يجري إبرامها لاحقاً تحت إشراف عربي ودولي ووفق قنوات تخضع شكل أساسي للمواثيق والقوانين والمعاهدات الدولية، كما أن هذه الدولة المنشودة وكما ورد في أدبيات الحراك السياسي الجنوبي ستكون عبارة من كيان يحترم ويقدر ويراعي الظروف العالمية على أساس المصلحة العامة العلياء لكافة دول العالم، وبذلك فان كل ما لدى هذه الدولة من مياه إقليمية وكل ما يقع عليها من جزر وغيرها ستخضع للمصلحة الدولية بالدرجة الأولى، لان هذه الدولة المنشودة ستكون قائمة على الحرص على أمن واستقرار المنطقة والعالم وستخضع لإجماع المنظومة الدولية وتحترم أدبيات وبرامج جامعة الدول العربية ودول المؤتمر الإسلامي والأمم المتحدة.
هذه هي الدولة المنشودة في جنوب اليمن، فهلا تعي دول المنطقة العربية والعالم إلى المنطق وتحكيم لغة العقل بدلاً من الاعتماد على كيان سياسي شكلي هش يتداعى يوماً بعد يوم ويعيش على التناقضات الداخلية والخارجية، نضام غارق في وحل الفساد، نظام سياسي لا مؤسسي، مخترق.. نتحكم فيه عصابات الإرهاب المحلية والإقليمية والدولية.
يجب على دول المنطقة العربية والعالم أن تقبل بهذا الواقع كما عليها أن تدرك تماماً أنها ومهما قدمت من دعم وأموال لصنعاء فأنها بدعمها هذا كالذي يصب الماء في الرمال، ولتدرك أنها ومهما قدمت من مساعدات ولو بلغت أضعاف ما يطلبها اليمن، فان النتيجة لا تكون سوى نشؤ المزيد من قوى الفساد والإرهاب لأنها بمساعداتها تلك تدعم الإرهاب بكل ما تحمله الكلمة من معنى لأنها بمجازيه التعبير تحفر قبرها بنفسها.
بالنسبة لدول الخليج العربي عليها أن تعي أن صدام حسين الذي انتهى به الامر مشنوقاً في العراق سيظهر من جديد إن لم يكن قد ظهر في اليمن، وقادم الأيام يكفل للجميع إثبات قتامة الصورة القادمة من اليمن، هذا أن هم تداركوا الأمر قبل وقوع الكارثة، أما شعب الجنوب ومهما تجاهل العالم قضيته وألمه، فان انتفاضته السلمية ستستمر وسيواصل صموده النضالي وتضحياته إلى حين تحقيق استقلاله واستعادة دولته الكاملة على ارض الجنوب.
* إعلامي وناشط حقوقي جنوبي، عضو منظمة العفو الدولية
| |
|
