د· محمد أبو بكر حميد
في رابطة الأدب
الإسلامي العالمية بالرياض ريادة باكثير للأدب
الإسلامي سبقت المصطلح
كتب
محمد إبراهيم عقده - الرياض:
وسط ركود الأدب وبيات طال وامتد ليشمل المنتديات الثقافية والفاعلين في حقولها من شعراء ونقاد ودارسين.. تتميز رابطة الأدب الإسلامي العالمية - فرع الرياض بندواتها الشهرية المنتظمة وكثرة الحضور الذين يمثلون أعماراً ومهناً وبيئات مختلفة، وكعادتها في الأربعاء الأخير من كل شهر، نظّم فرع الرابطة محاضرة ضافية أو احتفالية كبيرة عن الكاتب والروائي والشاعر المسرحي الإسلامي الرائد علي أحمد باكثير.
أما المحاضر فهو الباحث المعروف الدكتور محمد أبو بكر حميد الذي يعتبر بحق أمين تراث باكثير يخدمه ويكتب عنه ويحاضر فيه وينشر المجهول منه منذ 52 عاماً بلا كلل أو ملل حتى جمع كل ما تركه باكثير في اليمن ومصر والسعودية وكل بلاد استطاع أن يصل إليها،
فاجتمعت لديه ثروة قيمة عن هذا الأديب الإسلامي الكبير فأصدر عنه عدة كتب وأبحاث ونشر مسرحيات باكثير المجهولة، طبعتها مكتبة مصر·· وهو في صدد إصدار ديوان باكثير الكامل . بعد تحقيقه ومراجعته وضبطه في أكثر من ألف صفحة، وهو حدث سيهز الوسط الأدبي كلّ
مأساة باكثير:
ابتدأ الدكتور محمد أبو بكر حميد محاضرته بالحديث عن الحرب الطاحنة التي شنها اليسار الماركسي المصري على باكثير في ستينيات القرن الماضي الميلادية، فقد كان الشيوعي المعروف أحمد جمروش وراء إبعاد أعمال باكثير عن المسرح القومي المصري بعد إن كان فارسه الذي لا يُبارى ودشن محمود أمين العالم الحملة عليه في الصحافة المصرية بعد عرض مسرحيته حبل الغسيل بمقال غاشم كتبه في مجلة المصور في 1965/8/20م وحاول فيه . بباكثير في تهمة سياسية ثم تحاورته الأقلام الحمراء واحداً تلو الآخر
وانتهت تلك الحرب بوفاته في 01/11/9691م وكان معظم الجدل والهجوم من قِبل تلك المجموعة قد أنصب حول فكر باكثير وأدواته الفنية وأسلوبه ومنهجه المتفرِّد في أسلمة الموضوعات البعيدة عن تاريخ العرب والمسلمين أو إسباغ ثوب الدين على موضوعات يُعتقد أنها لا تناسبه في رأيهم، وكان هذا قارب باكثير أو وسيلته الأساسية للعبور بالأدب الإسلامي إلى العالمية علي حد تعبير المحاضر.
بذور الاتجاه الإسلامي في أدب باكثير
ركّز د. حميد على الاتجاه الإسلامي في أدب باكثير، وتتبع بذور هذا الاتجاه عند باكثير منذ صباه في موطنه الأصلي (حضرموت) باليمن، فقد تأثر بالمدرسة السلفية المستنيرة في سن حياته المبكرة· وقال د· حميد: إن باكثير تأسس فكرياً وعقدياً على مدرسة العروة الوثقى وأعجب بجمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده وذلك من خلال تلميذيهما السيد محمد رشيد رضا ومحب الدين الخطيب وكانت مجلة المنار لرشيد
رضا، والفتح لمحب الدين الخطيب لصلاته بانتظام في حضرموت وقد نشر عدة قصائد في مجلة الفتح فصرف في مصر قبل وصوله إليها، بعد أن هيأ له رشيد رضا سُبل الوصول إلى مصر وشجّعه عليه، فوصلها عام 4391م بعد أن أمضى سنة في عدن وأخرى في الحجاز.
ذكر الدكتور حميد: إن همام أو في بلاد الأحقاف هو العمل المسرحي الأول الذي كتبه باكثير في الطائف بالمملكة العربية السعودية سنة 4391م وهو عمل شعري يصور بشكل واقعي إلى حد كبير حياته في حضرموت، وتعتبر هذه المسرحية أول عمل أدبي يطبع في كتاب ليعبر عن (خط) باكثير الإسلامي
والتزامه العقدي، وقد صدّر هذه المسرحية بالآية الكريمة:âö�ä.øŒ$#ur%s{r&>Š%tæøŒÎ)u‘x‹Rr&¼çmtBöqs%Å$$s)ômF{$$Î/á (الأحقاف:21) فقد كان باكثير رافضاً للبدع والخرافات ويعتبرها أساس تخلف العالم الإسلامي
ومنذ ذلك التاريخ التزم باكثير بتصدير أعماله الأدبية بآية قرانية حتى لو كان العمل بعيداً كل البُعد عن الإسلام، كأن تدور أحداثه قبل الإسلام أو مستقاة من الأساطير، وهنا يكمن جانب الفن في التزامه الإسلامي ويمكن تصنيف هذا الالتزام في اتجاهين:
أولهما: التعبير الفني غير المباشر عن المضمون الإسلامي وهو جانب في غاية الأهمية، وقد حذر باكثير الكتاب الإسلاميين من طغيان حماسهم لدعوتهم التي قد تنسيهم شروط الفن فقال: ينبغي للكاتب الداعية أن يحرص الحرص كلّه على سلامة عمله من الوجهة الفنية، وأن يدرك إن ذلك هو السبب الوحيد
لجعل الرسالة التي ينطوي عليها بليغة التأثير في الجمهور الذي يشاهده.
ثانيهما: يرى باكثير أن الموضوعات المستمدة من التاريخ والأسطورة تعين الكاتب على تحقيق غايته أكثر مما تعينه أحداث الجيل المعاصر ووقائعه.. يقول باكثير في هذا الصدد:. أغرمت بالموضوعات الأسطورية لأن الأساطير أغنى من التاريخ في المعنى وأرحب أفقاً وأكثر انطلاقاً من القيود الزمنية والظروف
المحلية.
رؤى باكثير وطرائقه الخاصة
يرى باكثير أن الكاتب الإسلامي أو العربي عموماً أقدر على توصيل المضمون الجديد (الإسلامي) وذلك عندما يوظف تاريخ وأساطير الشعوب والأمم الأخرى البعيدة كل البعد عن الإسلام في موضوعات يعبر فيها عن المضمون الإسلامي الذي سيصل بسهوله لتلك الأمم عندما تجد تاريخها وأساطيرها حاملة هذا المضمون الجديد في الثوب الفني المألوف لديها، وبالتالي ستفهمه وتتفاعل معه، وبهذه الوصفة يكون الأديب الإسلامي قد صنع جسراً لعبور أدبه إلى العالمية، مقدماً بذلك فكر أمته ورسالتها على أطباق من حضارتهم وتاريخهم وأساطيرهم
عدّد د. حميد المصادر التي ستقي منها باكثير أعماله بمختلف أشكالها منها الحياة المعاصرة، التاريخ الإسلامي، تاريخ حضارات ما قبل الإسلام، وكذلك عصر النهضة في أوروبا.. ولكنه يقرر أن أنجح أعمال باكثير التي عبّرت عن (التصور الإسلامي) هي تلك الأعمال التي تكون موضوعاتها بعيدة عن العرب والإسلام مثل (مأساة أوديب) المأخوذ من الأساطير الإغريقية ومسرحيات (أخناتون ونفرتيتي) و(أوزوريس) و(الفرعون الموعود) و(الفلاح الفصيح) من التاريخ والأساطير الفرعونية ومسرحية >فاوست الجديد< من أساطير عصر النهضة الأوروبية
وللتدليل على عمق المفهوم والمنحي الإسلاميان في أعمال باكثير المسرحية تحدث الدكتور حميد - محللاً - عن مسرحية (أخناتون ونفرتيتي) سنة 0491م والتي حاول فيها باكثير أن يفسر سيرة أخناتون تفسيراً إسلامياً حيث تدور أحداثه في إطارها التاريخي قبل الإسلام دون أية إشارة مباشرة للإسلام سوى المعنى الذي يخرج به القاريء أو المشاهد وهو معنى إسلامي بالطبع، وقد وجد باكثير في دعوة أخناتون للتوحيد اتفاقاً مع الإسلام· أما منهجه الذي يقوم على دعوة الحب والسلام، فقد اتبع في نشره أسلوباً سلبياً لا يتفق مع مثل ومنطلقات الإسلام فقد كان أخناتون يرفض استخدام القوة حتى ولو كانت لأجل الدفاع عن الحق أو إقرار السلام . ولقد بنى باكثير عمله المسرحي على تلك المفارقة الدرامية فكان أخناتون شديد القرب عن الإسلام في دعوته للتوحيد لكنه كان بعيداً عن منهج الإسلام في فهمه لدعوة الحب والسلام فدعوة الحق لا تستغني عن الدفاع بسيف العدل وقوته وقد أدرك أخناتون هذه
الحقيقة في آخر المسرحية، ولكن بعد أن وقعت المأساة وانهار ملكه ومعه دعوته.
وهذا هو المفهوم الجديد والفكرة التي أكد عليها باكثير في معالجته الدرامية لشخصية أخناتون في أطوارها المختلفة خلال فضاء النص كله وبمثل هذا التفسير الخاص يطالب باكثير كل أديب إسلامي أن يتعامل مع التاريخ ويتعرض له، كي يتضح الفرق بين دور الأديب في الخروج بتفسير جديد لأحداث التاريخ ووظيفة المؤرخ الذي يكتب التاريخ وأحداثه كما حدثت بالفعل
للموضوع بقيه